تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فلما جاء الله سبحانه بالإسلام ,وأبطل برسوله - صلى الله عليه و سلم- ما كان عليه الجاهلية من الضلالة نهى أمته عن التشاؤم, والتطير, وشرع لهم أن يجعلوا مكان الدعاء على العاطس بالمكروه ,الدعاء له بالرحمة , كما أمر العائن أن يدعو بالتبريك للمعين ,ولما كان الدعاء على العاطس نوعا من الظلم والبغي , جعل الدعاء له بلفظ الرحمة المنافي للظلم, وأمر العاطس عمداً أن يدعو لسامعه , ويشمته بالمغفرة , والهداية وإصلاح البال , فيقول:يغفر الله لنا ولكم, أو يهديكم الله ,ويصلح بالكم.

فأما الدعاء بالهداية فلما أن اهتدى إلى طاعة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ , ورغب عما كان عليه أهل الجاهلية , فدعا له أن يثبته الله عليها, ويهديه إليها , وكذلك الدعاء بإصلاح البال ,وهي حكمة جامعة لصلاح شأنه كله, وهي من باب الجزاء على دعائه لأخيه بالرحمة فناسب أن يجازيه بالدعاء له بإصلاح البال ,وأما الدعاء بالمغفرة فجاء بلفظ يشمل العاطس والمشمت كقوله: يغفر الله لنا ولكم ليستحصل من مجموع دعوى العاطس ,والمشمت له المغفرة, والرحمة لهما معا , فصلوات الله وسلامه على المبعوث بصلاح الدنيا والآخرة ولأجل هذا ـ والله أعلم ـ لم يؤمر بتشميت من لم يحمد الله, فإن الدعاء له بالرحمة نعمة فلا يستحقها من لم يحمد الله , ويشكره على هذه النعمة , ويتأسى بابيه آدم فإنه لما نفخت فيه الروح إلى الخياشيم عطس فألهمه ربه ـ تبارك وتعالى ـ أن نطق بحمده فقال: الحمد لله, فقال الله سبحانه: (يرحمك الله يا آدم) فصارت تلك سنة العطاس فمن لم يحمد الله لم يستحق هذه الدعوة , ولما سبقت هذه الكلمة لآدم قبل أن يصيبه ما أصابه كان مآله إلى الرحمة , وكان ما جرى عارضا وزال , فإن الرحمة سبقت العقوبة ,وغلبت الغضب , وأيضا فإنما أمر العاطس بالتحميد عند العطاس لأن الجاهلية كانوا يعتقدون فيه أنه داء ,ويكره أحدهم أن يعطس , ويود أنه لم يصدر منه لما في ذلك من الشؤم وكان العاطس يحبس نفسه عن العطاس , ويمتنع من ذلك جهده من سوء اعتقاد جهالهم فيه، ولذلك ـ والله أعلم ـ بنوا لفظه على بناء الأدواء كالزكام, والسعال ,والدوار, والسهام وغيرها.

فاعلموا أنه ليس بداء ,ولكنه أمر يحبه الله, وهو نعمة منه يستوجب عليها من عبده أن يحمده عليها, وفي الحديث المرفوع: (إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب) (1) 1، والعطاس ريح مختنقة تخرج، وتفتح السد من الكبد،وهو دليل جيد للمريض , مؤذن بانفراج بعض علته، وفي بعض الأمراض يستعمل ما يعطس العليل، ويجعل نوعا من العلاج، ومعينا عليه هذا قدر زائد على ما أحبه الشارع من ذلك, وأمر بحمد الله عليه, وبالدعاء لمن صدر منه , وحمد الله عليه ولهذا فالله أعلم.)

وقال: (والمقصود أن التطير من العطاس من فعل الجاهلية الذي أبطله الإسلام, وأخبر النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ أن الله يحب العطاس كما في صحيح البخاري من حديث أبي هريره عن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ قال: (إن الله يحب العطاس , ويكره التثاؤب) فإذا تثاءب أحدكم فليستره ما استطاع فإنه إذا فتح فاه فقال: آه آه , ضحك منه الشيطان)

ـ تشميت الرجل المرأة إذا عطست ـ

عن أبي بردة قال: دخلت على أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ , وهو في بيت ابنة الفضل بن عباس. فعطست فلم يشمتني , وعطست فشمتها ,فرجعت إلى أمي فأخبرتها , فلما جاءها , قالت: عطس عندك ابني فلم تشمته , وعطست فشمتها , فقال: إن ابنك عطس فلم يحمد الله , فلم أشمته , وعطست فحمدت الله ,فشمتها , سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: إذا عطس أحدكم فحمد الله , فشمتوه , فإن لم يحمد الله , فلا تشمتوه) رواه مسلم (1)

وقد بوب الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ في الأدب المفرد على هذا الحديث: (ـ باب تشميت الرجل للمرأة ـ).

وجماع هذه المسألة ماذكره ابن مفلح ـ رحمه الله ـ في الآداب الشرعية (ص:497): (عن حرب: قلت لأحمد: الرجل يشمت المرأة إذا عطست؟ قال: إن أراد أن يستنطقها يسمع كلامها فلا , لأن الكلام فتنة , وإن لم يرد ذلك , فلا بأس أن يشمتهن)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير