تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَقَالَ مُهنَّا: " سُئِلَ أحمدُ عَنِ الرَّجُلِ يَقْنُتُ في بَيْتِهِ؛ أَيُعْجِبُكَ يجهرُ بالدُّعَاءِ في القُنوتِ، أَوْ يُسِرُّهُ؟، قَالَ: يُسِرُّهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الإمامَ إنَّما يجهرُ لِيُؤَمِّنَ المأمومُ ".

قَالَ عبدُ اللَّهِ بنُ أحمدَ بنِ حَنْبَلٍ: " قُلْتُ لأبي: يمسحُ بهما وَجْهَهُ؟، قَالَ: أَرْجُو أَنْ لاَ يَكُونَ بِهِ بأسٌ، وَكَانَ الحَسَنُ إِذَا دَعَا مَسَحَ وَجْهَهُ " (6).

وَقَالَ عبدُ اللَّهِ _ أيضاً _: " سُئِلَ أبي عَنْ رَفْعِ الأَيْدِي في القُنُوتِ ويمسحُ بهما وَجْهَهُ؟، قَالَ: لاَ بأسَ؛ يمسحُ بهما وَجْهَهُ، قَالَ عبدُ اللَّهِ: وَلَمْ أَرَ أبي يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ ".

قَالَ ابنُ القيِّمِ _ مُعَقِّباً عَلَى ذَلِكَ _: " فَقَدْ سُئِلَ أبو عبدِ اللَّهِ في ذَلِكَ، وَجَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ مَسْحِ الوَجْهِ في غيرِ الصَّلاَةِ؛ لأنَّهُ عَمَلٌ قَلِيلٌ، وَمَنْسُوبٌ إِلى الطَّاعَةِ، وَاخْتِيَارُ أبي عبدِ اللَّهِ تَرْكُهُ " (7).

4 _ وَجَاءَ عَنِ ابنِ عبدِ السَّلامِ أنَّهُ نَهَى عَنْهُ؛ وَقَالَ: " لاَ يَفْعَلُهُ إِلاَّ جَاهِلٌ " (8)، وقال ابنُ الجَزَريِّ: " ورأيتُ بعضَ علمائِنَا _ وَهُوَ ابنُ عبدِ السَّلامِ _ في فَتَاوَاهُ أَنْكَرَ مَسْحَ الوَجْهِ بِاليَدَيْنِ عُقَيْبَ الدُّعَاءِ؛ ولاَ شَكَّ _ عِنْدِي _ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ، واللَّهُ أعلمُ " (9).

أقولُ: بَلْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَيْهَا، وَلَكِنَّهَا لَمْ تَثْبُتْ لَدَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الأَوْلَى في حَقِّهِ، رحمهُ اللَّهُ.

5 _ وَقَاَل البيهقيُّ _ رحمهُ اللَّهُ _ في مَعْرِضِ كَلاَمِهِ عَنْ مَسْحِ الوَجْهِ بَعْدَ دُعاءِ القُنوتِ: " فَأَمَّا مَسْحُ اليَديْنِ بِالوَجْهِ عِنْدَ الفَرَاغِ مِنَ الدُّعَاءِ؛ فَلَسْتُ أَحْفَظُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ في دُعَاءِ القُنُوتِ، وَإِنْ كَانَ يُرْوَى عَنْ بَعْضِهِمْ في الدُّعَاءِ خَارِجَ الصَّلاةِ، وَقَدْ رُوِيَ فِيهِ عَنِ النَّبيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَدِيثٌ فِيهِ ضعفٌ، وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ عِنْدَ بَعْضِهِمِ خَارِجَ الصَّلاَةِ، وَأَمَّا في الصَّلاَةِ؛ فَهُوَ عَمَلٌ لَمْ يَثْبُتْ بخبرٍ صَحِيحٍ، وَلاَ أَثَرٍ ثَابِتٍ، وَلاَ قِيَاسٍ، فَالأَوْلَى أَنْ لاَ يَفْعَلَهُ، وَيَقْتَصِرَ عَلَى مَا فَعَلَهُ السَّلَفُ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ _ مِنْ رَفْعِ اليَدَيْنِ دُونَ مَسْحِهِمَا بِالوَجْهِ في الصَّلاَةِ، وَبِاللَّهِ التَّوفِيقُ " (10).

6 _ وَقَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ _ رحمهُ اللَّهُ _: " وَأَمَّا مَسْحُ الوَجْهِ بِاليَدَيْنِ بَعْدَ الفَرَاغِ مِنَ الدُّعَاءِ _ أَيْ: دُعاءِ القُنوتِ _؛ فَإِنْ قُلْنَا: لاَ يَرْفَعُ اليَدَيْنِ؛ لَمْ يُشْرَعِ المَسْحُ بِلاَ خِلاَفٍ، وَإِنْ قُلْنَا: يَرْفَعُ؛ فَوَجْهَانِ:

أَشْهَرُهُمَا: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ، وَممَّنْ قَطَعَ بِهِ: القَاضِي أبو الطَّيِّبِ، والشَّيخُ أبو محمَّدٍ الجُوينيُّ، وَابنُ الصَّبَّاغِ، وَالمتولي، وَالشَّيخُ نصرٌ في كُتُبِهِ، والغزَّاليُّ، وَصَاحِبُ " البيانِ ".

وَالثَّاني: لاَ يَمْسَحُ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، صَحَّحَهُ: البيهقيُّ، وَالرَّافعيُّ، وَآخَرُونَ مِنَ المُحَقِّقِينَ، ... ، وَلَهُ _ أَيِ البيهقيّ _ رِسَالَةٌ مَشْهُورَةٌ كَتَبَهَا إِلى الشيخِ أبي محمَّدٍ الجُوينيِّ أَنْكَرَ عَلَيْهِ فِيهَا أشياءَ مِنْ جُمْلَتِهَا مَسْحَهُ وَجْهَهُ بَعْدَ القُنُوتِ، وَبَسَطَ الكَلاَمَ في ذَلِكَ، ... ، وَالحَاصِلُ؛ لأَصْحَابِنَا ثَلاَثةُ أَوْجُهٍ:

الصَّحِيحُ: يُسْتَحَبُّ رَفْعُ يَدَيْهِ دُونَ مَسْحِ الوَجْهِ.

وَالثَّاني: لاَ يُسْتَحَبَّانِ.

وَالثَّالِثُ: يُسْتَحَبَّانِ.

وَأَمَّا غيرُ الوَجْهِ _ مِنَ الصَّدْرِ وغيرِهِ _ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لاَ يُسْتَحَبُّ، بَلْ قَالَ ابنُ الصَّبَّاغِ وغيرُهُ: هُوَ مَكْرُوهٌ، واللَّهُ أعلمُ " (11).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير