أقول: هذا القول لا يقوله إلا جاهل باللغات السامية فإن أخلد وخلد موجودتان في اللغتين كلتيهما ومتفقتان في معانيهما في الجملة فمن قال اتهما عبريتان وليستا عربيتين لقد قفاما لا علم له به ومن قال العكس فهو مثله، غير أن (أخلد) في العبرانية بالحاء المهملة، وكذلك (خلد) وقد تقدم أن الخاء المعجمة لا توجد بالأصالة في العبرانية و إنما توجد بالعرض في حرف الكاف إذا جاءت بعد حركة، ولم نر أحدا علماء اللغة العربية أشار إلى أن (أخلد) عبرانية كما ادعى هذا المدعي.قال في لسان العرب وخلد إلى الأرض وأخلد أقام فيها وفي التنزيل العزيز: {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} أن ركن إليها وسكن وأخلد إلى الأرض وإلى فلان أي ركن إليه ومال إليه ورضي به، ويقال خلد إلى الأرض بغير ألف وهى قليلة. اهـ.
وقال البيضاوي في تفسيره {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ} مال إلى الدنيا أو إلى السفالة {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} في إيثار الدنيا واسترضاء قومه وأعرض عن مقتضى الآيات. اهـ.
5 ـ الأرائك
قال السيوطي في الإتقان: "حكى ابن الجوزي في فنون الأفنان أنها السرر بالحبشية" اهـ.قال الراغب: " الأريكة حجلة على سرير جمعها (أرائك وتسميتها لذلك إما لكونها في الأرض متخذة من أراك وهو شجرة أو لكونها مكانا للإقامة من قولهم أرك بالمكان أروكا وأصل الأروك الإقامة على رعي الأراك ثم تجوز به في غيره من الإقامات" اهـ. و قال في لسان العرب والأريكة سرير في حجلة والجمع أريك وأرائك، وفي التنزيل {عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ} قال المفسرون: الأرائك السرر في الحجال، وقال الزجاج: الأرائك الفرش في الحجال، وقيل: هي الأسرة وهي في الحقيقة الفرش كانت في الحجال أو في غير الحجال، وقيل الأريكة سرير منجد مزين في قبة أو بيت فإذا لم يكن فيه سرير فهو حجلة. وفي الحديث "ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته فيقول بيننا وبينكم كتاب الله"، الأريكة السرير في الحجلة من دونه ستر، و لا يسمى منفردا أريكة."اهـ. قال في اللسان: "والحجلة مثل القبة وحجلة العروس معروفة وهي بيت يزين بالثياب و الأسرة والستور"، فقد رأيت أن الأرائك كلمة عربية خالصة، وبطل ما ادعاه السيوطي ومن نقل عنه.
6ـ أسباط
قال السيوطي في الإتقان: "حكى أبو الليث في تفسيره أنها بلغتهم كالقبائل بلغة الغرب" اهـ.
وفي هذا الكلام شيء ساقط لأن الضمير في لغتهم لم يذكروا ما يعود عليه وهذا الساقط يحتمل أن يكون يدل على بني إسرائيل وكلام جفري يؤيد هذا الاحتمال وهذا نص ترجمته بالعربية ..
اضطر أبو الليث أن يعترف أنه أي السبط لفظ عبراني مستعار، قاله السيوطي في الإتقان. وقد أطال جفري البحث في هذا اللفظ وادعى أنه لم يستعمل في كلام العرب قبل استعماله في القرآن وربما يكون أول من استعمله محمد.
ونحن نقول لجفري وأمثاله من الذين أعمى التعصب بصائرهم وأفقدهم صوابهم: إن الله الذي أنزل التوراة و الإنجيل اللذين تؤمن بهما أنت هو الذي أنزل القرآن على عبده ورسوله محمد بن عبد الله خاتم النبيين على رغم أنفك ولا ضير على القرآن أن يوجد فيه لفظ شاع استعماله في العبرانية لأن هاتين اللغتين نشأتا من أصل واحد وإذا جاز أن يكون في القرآن ألفاظ هي في الأصل فارسية مع أن لغة الفرس بعيدة من لغة العرب فما المانع أن توجد فيه ألفاظ عبرانية أو سريانية؟ وإذا اعتبرنا السبط اسما لقبيلة من قبائل بتي إسرائيل فالتعبير به طبيعي وهو أولى من التعبير عنه بالقبيلة لأنه صار شبيها بالأعلام التي يجب ذكرها بلفظها.
قال في لسان العرب: "والسبط من اليهود كالقبيلة من العرب وهم الذين يرجعون إلى أب واحد، سمي سبطا ليفرق بين ولد إسماعيل وولد إسحاق وجمعه أسباط. وقوله عز وجل: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً} , ليس أسباطا بتمييز لأن المميز إنما يكون واحدا لكنه بدل من قوله {اثْنَتَيْ عَشْرَةَ} كأنه قال: جعلناهم أسباطا والأسباط من بني إسرائيل كالقبائل من العرب" اهـ.
واصله بالعبرانية (شبط) على وزن ابل ومعناه القضيب والعصا والقبيلة.
7 ـ إستبرق
قال السيوطي الإتقان: "أخرج ابن أبي حاتم أنه الديباج بلغة العجم".اهـ. وقال البيضاوي في قوله تعالى في سورة الدخان53: {يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ}.السندس مارق من الحرير و الإستبرق ما غلظ منه معرب استبره" اهـ.
قال جفري وهذا من الألفاظ القليلة التي اعترف المسلمون أنها مأخوذة من الفارسية وعزاه إلى السيوطي في الإتقان وفي المزهر حكاه فيه عن الأصمعي وإلى السجستاني في غريب القرآن وإلى الجوهري في الصحاح وإلى كتاب الرسالة للكندي وإلى ابن الأثير في النهاية قال وبعضهم يقول انه لفظ عربي مأخوذ من البرق ".اهـ.
8 ـ السندس
قال في القاموس: "ضرب من رقيق الديباج معرب بلا خلاف".اهـ. وقال في لسان العرب السندس البزيون.
وفي الحديث "أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى عمر بجبة سندس".
قال المفسرون في السندس أنه رقيق الديباج ورفيعه وفي تفسير الإستبرق أنه غليظ الديباج ولم يختلفوا فيه، الليث، السندس ضرب من البزيون يتخذ من المر عزى ولم يختلف أهل اللغة فيهما أنهما معربان" اهـ.
9ـ أسفار
قال السيوطي في الإتقان "قال الواسطي في الإرشاد هي الكتب بالسريانية وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال: هي الكتب بالنبطية" اهـ.
قال محمد تقي الدين: يا لله للعجب؟ كيف يقال: إن الأسفار جمع سفر- بكسر فسكون-ليس بعربي و إنما هو سرياني أو نبطي، لا جرم لا يقول ذلك إلا جاهل باللغات السامية، والحق الذي لاشك فيه أن السفر كلمة عربية خالصة وهي في الوقت نفسه عبرانية وسريانية ونبطية فهي من الألفاظ المشتركة بين اللغات السامية ليست واحدة منها أولى بها من غيرها.