[دراسة أصولية فقهية لقوله تعالى: (ويسألونك عن المحيض) لفضيلة الشيخ: جلال بن علي السلمي]
ـ[أبو المقداد]ــــــــ[30 - 03 - 10, 06:41 م]ـ
الحمد لله المتفرد بالخلق والملك، المتوحد بالتدبير، والصلاة والسلام على خيرة خلقه ومصطفاه منهم، وعلى أهل بيته ومن صحبه، وتابعيهم بإحسان, وبعد:
فإن علم الأصول هو ميزان الشريعة، ومعيار النصوص، وهو أداة الفهم عن الله ورسوله ?، فالمتعين على كل من تصدى لدراسة مسائل الشريعة والإقلال بأعبائها أن يجعل طلب هذا العم شغله، والتحقيقَ فيه رغبته. ومن رام استنباطا صحيحا وفهما رجيحا بلا طلبه فهو كمن يطلب إبرة في رَمْلِ عَالِجٍ، أو من يصيد سمكا في مَفَازَةٍ.
وبعد .. فهذا بحث أصولي ماتع، حوى في طياته نفائس الأصول، وضم بين جنباته كرائم المحصول، أطال فيه شيخنا -حفظه الله- النفس في تحرير المسائل، ونصب الدلائل، فجزاه الله خيرا كثيرا، على ما جاد وأفاد.
وكنت قد طلبت من شيخنا الشيخ جلال بن علي السلمي وفقه الله أن يكتب لي جزءا يأتي فيه على مهمات المسائل المتعلقة بهذه الآية الكريمة، إذ هي من مشهور آي الأحكام، وأكثرها مسائل، فأجابني إلى ذلك جزاه الله عني صالحةً. وأصل هذا البحث كتابات قديمة أعاد الشيخ ترتيبها وتهذيبها لتصلح للنشر، ثم أرسلها لي، فرأيت نشرها على حلقات، تنشيطا للإخوة، إذ ربما يمنع الطول البعضَ من القراءة فضلا عن الاستفادة.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
أبو المقداد
المدينة النبوية
ٹ ٹ ژ ? ? ?? ? ? ہ ہ ہ ہ ھھ ھ ھ ے ے? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ژ
المسألة الأولى:
سبب نزول الآية:
آيات القرآن يمكن تقسيمها إلى قسمين اثنين: ابتدائية، وسببية، فالابتدائية هي: ما نزل من غير سبب يتعلق بالمخاطبين، والسببية هي: ما نزل لسبب يتعلق بهم، والغالب في آيات القرآن الثاني، ويدل على ذلك الاستقراء، ثم إن السببية تنقسم إلى قسمين:
ما يدل نظمها على السبب، وما ليست كذلك، والآية التي معنا سببية لا ابتدائية، ونظمها يدل على السبب، فقوله تعالى: ژ ? ژ يدل على أن هذه الآية نزلت بسبب سؤال جماعة من الناس للنبي صلى الله عليه وسلم عن المحيض، وهذه الجماعة هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روينا في صحيح الإمام مسلم رحمه الله تعالى من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوهن في البيوت فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض إلى آخر الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح»، وجاء في المراسيل عن السدي وغيره أن السائل هو ثابت بن الدحداح الأنصاري، والإرسال نوع من الانقطاع، والقاعدة في الأصول: [أن الانقطاع في الخبر يقتضي رده]، وإذا قلنا بمفاد المرسل ففي الآية تجوز إطلاق الجمع (ضمير الجمع الواو في قوله يسألونك) على المفرد، أو تجوز إطلاق السؤال على المقر للسائل، وفي حديث أنس رضي الله عنه تأكيد للظاهر وأن السؤال وقع من جماعة، وذلك في قوله: فسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه أيضا بيان الباعث للصحابة رضي الله عنهم على سؤال النبي صلى الله عليه وسلم، ألا وهو فعل اليهود ومعاملتهم لنسائهم حال الحيض.
وفي أحكام القرآن لابن الفرس المالكي رحمه الله (1/ 228) أن العلماء اختلفوا في سبب نزول هذه الآية، وذكر قولين اثنين:
القول الأول: أن الصحابة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم لأن العرب في المدينة وما والاها كانوا قد استنوا بسنة بني إسرائيل في تجنب مؤاكلة الحائض ومساكنتها، فنزلت هذه الآية، قاله قتادة وغيره.
القول الثاني: أنهم-أي الصحابة- كانوا يتجنبون النساء في الحيض، ويأتونهن في أدبارهن مدة زمن الحيض، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت الآية، قاله مجاهد.
¥