تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الحكم (أي حكم الأصل): التحريم.

وقد تقدم في المسألة السابقة مأخذ تحريم إتيان المرأة في فرجها حال الحيض، وهذا الحكم المستفاد من الآية معلل بعلة منصوصة وهي الأذى، وجه ذلك: أن الله عز وجل رتب الحكم المستفاد من صيغة الأمر في قوله: ژہژ على الوصف الذي هو الأذى مقرونا -أي الحكم- بالفاء، وهذه هي إحدى صور مسلك الإيماء والتنبيه عند الأصوليين، والقاعدة في الأصول-على الصحيح-: [أن مسلك الإيماء والتنبيه معتبر في إثبات العلة الشرعية].

وقد قدح في هذا القياس باعتراض النقض (وجود العلة مع تخلف الحكم)، ومأخذه: أن المستحاضة وجد فيها الأذى الذي هو الدم، ومع ذلك يباح لزوجها أن يطأها.

(فائدة: دفع اعتراض النقض يكون بأحد ثلاث طرق: 1 - منع مسألة النقض، 2 - منع وجود العلة، 3 - بيان الاحتراز، وبيان الاحتراز يكون بأحد أمرين: أ- بيان الفظ المحترز به، ب- تفسير اللفظ بما يحقق الاحتراز).

وأجيب بأجوبة:

- أنه لا يجوز وطء المستحاضة (منع مسألة النقض)، وهذا يستقيم على مذهب الحنابلة رحمهم الله تعالى.

- أنه لا يسلم وصف دم الاستحاضة بالأذى (منع وجود العلة)، وهذا جواب الجمهور رحمهم الله.

قال الفخر الرازي في مفاتح الغيب (6/ 414): "فإن قيل: ليس الأذى إلا الدم، وهو حاصل وقت الاستحاضة، مع أن اعتزال المرأة في الاستحاضة غير واجب، فقد انتقضت هذه العلة، قلنا: العلة غير منقوضة؛ لأن دم الحيض دم فاسد يتولد من فضلة تدفعها طبيعة المرأة من طريق الرحم، ولو احتبست تلك الفضلة لمرضت المرأة، فذلك الدم جار مجرى البول والغائط، فكان أذى وقذرا، أما دم الاستحاضة فليس كذلك، بل هو دم صالح يسيل من عروق تنفجر في عمق الرحم فلا يكون أذى، هذا ما عندي في هذا الباب، وهو قاعدة طيبة، وبتقريرها يتخلص ظاهر القرآن من الطعن، والله أعلم بمراده".

تنبيه مهم: اختلف الأصوليون رحمهم الله في اعتراض النقض هل يعد قادحا أم لا؟، وذلك على بضعة عشر قولا، [انظر في ذلك: البحر المحيط للزركشي (4/ 232)، إرشاد الفحول للشوكاني (2/ 929)، فمن قال بعدم كونه قادحا مطلقا، أو بعدم كونه قادحا في المنصوصة فله أن يجيب عما سبق بأن اعتراض النقض لا يقدح في صحة القياس، ومن ثم لابد من تقدير وجود مانع أو تخلف شرط بالنسبة للمسألة المدعاة في النقض، ودليلهم في ذلك: القياس على تخصيص العموم اللفظي، وتقريره: أن العلة بالنسبة إلى محالها ومواردها كالعموم اللفظي بالنسبة إلى موضوعاته, فكما جاز تخصيص العموم اللفظي وإخراج بعض ما تناوله فكذلك في العلة.

.................................................. ........................

المسألة السادسة:

استدل الحنابلة بالآية على تحريم إتيان المرأة في فرجها حال الاستحاضة، [انظر المغني لابن قدمة (1/ 420) والمبدع لابن مفلح (1/ 292)

أما مأخذ التحريم فعلى الوجه الذي تقدم، وأما مأخذ كون حال الاستحاضة كذلك فبالقياس على حال الحيض بجامع الأذى.

وذهب جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية والظاهرية إلى إباحة ذلك، [انظر البناية للعيني الحنفي (1/ 621) و بداية المجتهد لابن رشد المالكي (1/ 45) المجموع للنووي الشافعي (2/ 372) والمحلى لابن حزم الظاهري (2/ 296)] واستدلوا على ذلك بذات الآية، ووجهه أن الله عز وجل قال: ژ ھ ھ ے ے?ژ فمفهوم المخالفة الغائي جواز وطء الحائض إذا طهرت، والمستحاضة طاهر، والقاعدة في الأصول -عند الجمهور-: [أن مفهوم المخالفة الغائي حجة في إثبات الأحكام]، بل دل على الإباحة منطوق الآية، وذلك في قوله تعالى: ژ ? ? ?ژ إذ المستحاضة طاهر، والأمر بوطء النساء عقب الطهارة سواء قلنا للوجوب أو للإباحة الاصطلاحية -أي استواء الطرفين- يدل على الإذن، والقاعدة في الأصول: [أن الإذن يقتضي عدم التحريم].

وأجاب الجمهور عن استدلال الحنابلة بالآية من وجهين:

الوجه الأول: أن القياس الذي استدلوا به قياس معارض للنص (فاسد الاعتبار)، والقاعدة في الأصول-على الصحيح-: [إذا تعارض النص والقياس قدم النص].

الوجه الثاني: لا يسلم بأن دم الاستحاضة أذى، والقاعدة في الأصول: [أن من شرط صحة القياس تحقق الوصف في الفرع].

(وهذا الاعتراض يسمى عند الأصوليين بمنع الوصف في الفرع، والجواب عنه يكون بأحد ثلاث طرق: التفسير، وبيان موضع التسليم، والدلالة، وشرحها في الأصول).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير