تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هل يمكن أن تتكرر حالة مثل حالة سالم؟ فقد كان رقيقا لامرأة من الأنصار في الجاهلية فأعتقته، ثم تبناه أبو حذيفة، ولما أبطِل التبني بنص القرآن بقوله تعالى: (ادعوهم لإبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا أبائهم فإخوانكم في الدين ومواليكم) صار مولى عنده، ولما كبر جاءت إمراة أبي حذيفة فقالت يا رسول الله: إنا كنا نرى سالما لنا ولدا، وكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد، ويراني فُضُلا (الفضل المرأة المتبذلة في ثوب واحد) وقد أنزل الله فيه ما قد علمت فكيف ترى فيه؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرضعيه تحرمي عليه- هذا لفظ مسلم. وفي رواية أبي داود (وأرضعيه خمس رضعات) فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة.

الوقفة السابعة:

الحديث صحيح متفق عليه، ولكن ليس كل حديث صح سنده صح معناه. فحديث إرضاع الكبير يعارضه أحاديث كثيرة جدا كحديث مسلم عن عائشة قالت: (دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي رجل قاعد فاشتد ذلك عليه، ورأيت الغضب في وجهه قالت: فقلت: يا رسول الله إنه ابن أخي من الرضاعة فقال: (انظرن إخوانكن من الرضاعة فإنما الرضاعة من المجاعة) وحديث عبد الله بن مسعود في مسند أحمد وسنن أبي داوود وابن ماجة (لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وأنشز العظم) وهذه الأحاديث وأمثالها تفسر وتؤكد قوله تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أردن أن يتم الرضاعة) فقوله (كاملين) نص كما يقول الأصوليون مؤكد للحولين دال على أن ما زاد عليها لا أثر للرضاع فيه وقوله (لمن أراد أن يتم الرضاعة) دليل على أنه يجوز الفطام قبل الحولين كما دلت على أن الرضاعة بعد الحولين لا يستفيد منها الرضيع شيئا فلا تنبت له لحما ولا تنشز له عظما.

الوقفة الثامنة:

إن حديث سالم كان رخصة لسهلة بنت سهيل زوجة أبي حذيفة، والرخصة الشرعية للشخص المعين لا يقاس عليها. ألا ترى قول عكاشة بن محص لرسول الله: (ادع الله أن يجعلني منهم – يعني السبعين الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب) قال: أنت منهم فقام رجل آخر وقال: يا رسول الله أدعو الله أن يجعلني منهم قال: سبقك بها عكاشة. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي ضحى بعناق قبل أن يضحي رسول الله: تجزئك وقال للآخر: شاتك شاة لحم – أي لا تجزئك. فالرخصة إنما يفوز بها السابق لا غير.

ومتى كانت الرخصة لعامة الناس بطلت الخصوصية. ومما يدل على أنها رخصة لزوجة أبي حذيفة مع سالم أن رسول الله لم يذكر لسالم أحكام الأبناء كلها، وإنما اقتصر على موضع الحاجة وهو الأذن بالدخول؛ لرفع الحرج الذي يلاقيه أبو حذيفة وزوجه من تكرر دخوله، فالاقتصار على موضع الحاجة هو عين الرخصة.

و مما يدل على أنه رخصة لأبي حذيفة وزوجه أن رسول الله لم يرخص لغيرهم مع توفر الدواعي عند أولئك لما طلبوه، فالمجتمع آنذاك فيه الموالي والخدم كثيرون، والتحرج من دخولهم موجود مع ضيق البيوت، ولكنهم يسألوا رسول الله لعلمهم أنها خاصة به، ولم يجيبهم رسول الله ابتداء؛ لبقاء حكم حرمة الدخول على غير المحارم كما قال رسول الله .. (الحمو الموت .. ).

الوقفة التاسعة:

موقف عائشة رضي الله عنها مع بقية أمهات المؤمنين:

فعائشة ترى عموم حديث سالم مولى أبي حذيفة، فكانت تأمر أختها أم كلثوم وبنات أخيها أن يرضعن من أحبت أن يدخل عليها من الرجال، وكانت تقول لمن يخالفها: (أما لكم في رسول الله أسوة حسنة؟!). أما عامة زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم فأبين أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس ورددن على عائشة قائلات: (لا والله ما نرى الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم سهلة بنت سهيل – زوجة أبي حذيفة – ألا رخصة من رسول الله في رضاعة سالم وحده. لا والله لا يدخل علينا بهذه الرضاعة أحد).

الوقفة العاشرة:

عمل عامة الصحابة على خلافه:

- جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: إني كانت وليدة- أمة- وكنت أطؤها فعمدت إمرأتي إليها فأرضعتها فدخلتْ عليها – الأمة- فقالت امرأته: دونك فقد والله أرضعتها – فقال عمر للرجل: أوجعها وإئتِ جاريتك فإنما الرضاعة رضاعة الصغير.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير