تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[بطلان القول بجواز رضاع الكبير لبطلان لوازمه]

ـ[صالح بن عمير]ــــــــ[11 - 06 - 10, 02:06 ص]ـ

[بطلان القول بجواز رضاع الكبير لبطلان لوازمه]

من المعلوم عند علماء الشريعة أن لازم القول إن كان فاسداً فإنه يدل على فساد هذا القول، وأن بطلان اللازم أو ما يترتب من الفتوى لاشك يدل على بطلانها وعدم صحة نسبتها إلى الشرع لأن شرع الله تعالى محكم لا يمكن أن ينسب له الباطل أياً كان فهو صادر من حكيم عليم.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في كتابه القواعد المثلى:

(وأعلم أن اللازم من قول الله تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وسلم إذا صح أن يكون لازماً فهو حق، وذلك لأن كلام الله ورسوله حق ولازم الحق حق، ولأن الله تعالى عالم بما يكون لازماً من كلامه وكلام رسوله فيكون مراداً).

ولذا فإن القول بجواز رضاع الكبير يترتب عليه ويلزم منه لوازم باطلة تعارض الشرع والعقل والمنطق مما يدل على فساده وبطلانه، فما يظهر بطلان لوازمه لا يجوز نسبته إلى الشرع، فالشرع منزه عن التناقض والاختلاف لقول الله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82].

وسأقتصر على ذكر لازم واحد البطلان فيه ظاهر، وسأترك ذكر اللازم الآخر لوقت لاحق بإذن الله وسيتبين لكل منصف أن القول بجواز رضاع الكبير باطل لاشك فيه:

اللازم الأول: سأقدم له بذكر صورتين وأذكره في الصورة الثالثة كي يتضح وجه البطلان فيه.

الصورة الأولى: لو رضع زوج من زوجته خمس رضعات للزم القائل بجواز رضاع الكبير طلاق الزوج من زوجته لكونه أصبح ابناً لها من الرضاعة.

الصورة الثانية: لو رضعت الزوجة من نفسها خمس رضعات للزم القائل بجواز رضاع الكبير طلاقها من زوجها لكونها أصبحت ابنة له من الرضاعة.

أما الصورة الثالثة: فنقدم لها بصورتها الأصلية والتي ذكرها عدد من العلماء وهي عندما يرضع طفل صغير من زوجتين لرجل، يرضع من الأولى ثلاث رضعات ومن الأخرى رضعتين سيكون الزوج أباً له من الرضاعة، أما الزوجتان فلن تكونا أمّين لهذا الطفل لعدم تمام عدد الرضعات.

وبقياس هذه الصورة على الرضاع الكبير فلو حدث أن رضع زوجٌ من إحدى زوجتيه ثلاث رضعات ومن الزوجة الأخرى رضعتين فماذا سيكون وضع هذا الزوج؟

فإن قال - من يرى جواز رضاع الكبير ويرى أنه ينشر المحرمية – أن هذه الصورة ليست مؤثرة فيعني ذلك أنهم أبطلوا قولهم بأثر رضاع الكبير، وفرقوا بين صورتين متماثلتين، وإن التزموا أثر هذه الصورة فيلزمهم بطلان هذا الزواج وفراق الزوج زوجتيه لكون هذا الزوج أصبح ابناً لنفسه لا محالة، قياساً على الأصل في رضاع الطفل كما ذكرنا سابقاً. ويحرم عليه إبقاء زوجتيه في عصمته لحرمة زواج الابن من زوجة أبيه.

فهذه الصورة الثالثة من رضاع الكبير أوجدت وضعاً شاذاً ليس له نظير في الشرع وهو أن الزوج حمل صفتين متضادتين لا يمكن أن تجتمع في شخص واحد وهو أنه أصبح ابناً وأباً في ذات واحدة، فهو ابن لنفسه أو أب لنفسه وهذا لا يمكن حصوله ولا يُقبل عقلاً ويلزم منه أيضاً لوازم باطله منها ما يأتي:

- إن أقرّ - من يرى جواز رضاع الكبير ويرى أنه ينشر المحرمية – ببطلان الزواج في الصورة الثالثة فيمكن لنا أن نحاجهم ونسألهم هذا السؤال:

هل يمنع زواج هذا الزوج من زوجتيه أو إحداهما مرة أخرى مانع؟

فيما يظهر لا يوجد مانع لعودة الزوج مرة أخرى ليتزوج زوجتيه، فلا يوجد فيهما أي صفة تمنع من ذلك، فليست أيٌ منها أمٌ له بسبب الرضاع كون عدد الرضعات لم يصل إلى خمس رضعات، ولأن السبب في بطلان الزواج هو أن الزوج حلّت فيه صفة جديدة بعد رضاعته من زوجتيه جعلته ابنا لنفسه.

ولذا هم أمام حالتين لا ثالث لهما وكلتاهما تبطل قولهم وهما:

1 - إن أجازوا رجوعه لزوجتيه بَطُلَ قولهم من الأصل لعدم اعتبارهم أثر رضاعته من زوجتيه.

2 - وإن أقروا بحرمة رجوعه لزوجتيه مرة أخرى – وهذا هو ما يتوافق مع قولهم وقواعدهم- لزمهم لازم باطل ظاهر البطلان وهو أن السبب الذي منعه من أن يرجع لزوجتيه يمنعه أيضاً من الزواج من أي امرأة أخرى لكون النساء الأخريات لا فرق بينهن وبين زوجتيه.

فهل يعقل أن يُقرّ الشرع أو أن يأتي بما يناقض العقل وهو أن هذا الرجل حَرُمَ عليه الزواج من نساء الدنيا بسبب رضاعته من زوجتيه على الصفة التي ذكرناها.

فمما لا شك فيه أنه لا يمكن لنا أن ننسب هذا القول - وهو جواز رضاع الكبير والأثر المترتب عليه - للشرع مع ظهور هذه اللوازم الباطلة وإلا لأجزنا التناقض على الشرع وعلى دين الله سبحانه وتعالى ولنسبنا لدين الله هذه الحالات الشاذة ولا مخرج من ذلك إلا باتباع قول أكثر الصحابة والتابعين وجمهور أهل العلم بأن الرخصة من النبي صلى الله عليه وسلم كانت لسالم وحده رضي الله عنه ولا تلحق أحداً غيره.

والله أعلم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير