هذا صريح أن البخاري يقدم النزول على اليدين، والله أعلم.
وممن اختاره من علمائنا المعاصرين: الشيخ ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ، وشيخنا الحويني ـ حفظه الله ..... وغيرهم.
أدلة القائلين بتقديم اليدين:
- حديث أبي هريرة مرفوعا: ((فلا يبرك كما يبرك البعير ولكن يضع يديه قبل ركبتيه)) وفي لفظ: ((يعمد أحدكم في صلاته فيبرك كما يبرك الجمل)).
- حديث ابن عمر: ((أنه كان يضع يديه قبل ركبتيه وكان يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك)).
- عن أبي هريرة موقوفا: ((لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير الشارد)).
- عن ابن عمر موقوفا: ((أنه كان يقدم اليدين في النزول)).
واستدلوا بأدلة أخرى:
- أن البروك في اللغة على الركبتين.
- أنه هو الأخشع في الصلاة كما قال مالك.
- أنه هو الأرفق بالمصلي.
وسيأتي التفصيل بأذن الله.
القول الثالث
التخيير بين الاثنين
نقل الدارمي: عن ابن مسعود أنه سئل عن ذلك فقال: ((كله طيب وأهل الكوفة يختارون الأول)) (13).
قول قتادة: قال ابن أبي شيبة: (14)
((حدثنا معتمر، عن معمر، قال: سئل قتادة عن الرجل إذا انصب من الركوع يبدأ بيديه؟ فقال: يضع أهون ذلك عليه)).
- روايه عن مالك ـ رحمه الله ـ: مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل: قال ابن الحاجب ونصه: ((وتقديم يديه قبل ركبتيه أحسن، وروى ابن عبد الحكم عن مالك التخيير)).انتهى
و قد اختار هذا القول بعض من علمائنا المعاصرين لكنهم أضافوا اليه ضابط الطمأنينة فيكون حاصل هذا القول: انه يجوز للمصلي ان يقدم ركبتيه او يديه بشرط حصول الطمأنينة.
- أدلة هذا الفريق:
1) أن الآثار التي فيها ذكر اليدين أو الرجلين غير ثابتة.
2) أن الذي ثبت هو النهي عن البروك كالبعير الشارد.
3) تنوع المنقول عن الصحابة في ذلك.
وسيأتي تفصيل ذلك كله في موضعه بإذن الله.
أخيرا: هناك المذهب القائل بأن تقديم اليدين منسوخ لحديث سعد، وهذا ما اختاره وصححه ابن خزيمة، والخطابي، وهذا المذهب سنذكره عند ذكر المذهب الأول لأنه انتهى إلى قولهم واستدلوا بحديث سعد الذي تقدم ذكره.
الفصل الثاني
مناقشة أدلة كل فريق وما احتج به
النظر في أدلة القول الأول:
1) حديث وائل بن حجر ـ رضي الله عنه ـ، وقد جاء على وجوه:
الأول: ما أخرجه أبو داود (838)، والترمذي (268)، والنسائي (1089)، وفي الكبرى (676)، وابن خزيمة (626)، وابن حبان (1912)، والدارمي (1320)، والحاكم (822)، والدار قطني (1/ 344)، والطبراني (22/ 39)، والبيهقي (2460)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 254)، ومعجم المحدثين (1/ 218)، و ابن الجوزي في التحقيق (1/ 388)
والحازمي في الاعتبار (1/ 160).
جميعا من طرق عن شريك بن عبد الله النخعي، عن عاصم، عن أبيه، عن وائل ـ رضي الله عنه ـ قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد يضع ركبتيه قبل يديه)).
قال الترمذي: حسن غريب لا نعرف أحدا رواه مثل هذا عن شريك.
قال البغوي: ((حديث حسن)).
قال الدار قطني: ((تفرد به يزيد، عن شريك، ولم يحدث به عن عاصم بن كليب غير شريك، وشريك ليس بالقوي فيما ينفرد به)).
قال البيهقي: ((إسناده ضعيف))، وقال أيضا: ((يعد من أفراد شريك القاضي وإنما تابعه همام من هذا الوجه مرسلا)).
وقال ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (2/ 69،68): ((حديث غريب)).
وضعفه أيضا الشيخ الألباني رحمه الله وبحثه في السلسلة الضعيفة (929)، وضعفه الشيخ أبو إسحاق ـ حفظه الله ـ كما في بحثه الذي سنذكر بعضه بإذن الله.
وإذا نظرت إلى كلام العلماء في هذا الحديث تجده محصورا في أمرين:
الأول: هو تفرد شريك النخعي.
الثاني: المخالفة.
فالعلة الأولى في هذا الحديث هي التفرد:
وأهل التحقيق لا يعلون الحديث بالتفرد مطلقا، وإنما إذا جاء لمثل هذا التفرد قرائن تدل على أن هذا التفرد غير محتمل فهنا يعلون بالتفرد غير المحتمل، ويجعلون ذلك علة فيه ((وهذه المسألة سنفصل فيها في حديث أبي هريرة بإذن الله))، ويعبرون عن ذلك بعبارات تدل على أنهم لا يقبلون مثل هذا التفرد، كما قال الدار قطني ـ رحمه الله ـ: ((ولم يحدث به عن عاصم بن كليب غير شريك وشريك ليس بالقوي فيما ينفرد به)).
¥