قال ابن حجر في فتح الباري (8/ 438)
قوله وقال ابن عباس إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه فيبطل الله ما يلقي الشيطان ويحكم آياته وصله الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن ابن عباس مقطعا
قوله ويقال أمنيته قراءته إلا أماني يقرؤون ولا يكتبون هو قول الفراء قال التمني التلاوة قال
وقوله لا يعلمون الكتاب إلا أماني قال الأماني أن يفتعل الأحاديث وكانت أحاديث يسمعونها من كبرائهم وليست من كتاب الله قال ومن شواهد ذلك قول الشاعر
تمنى كتاب الله أول ليلة**** تمنى داود الزبور على رسل
قال الفراء والتمني أيضا حديث النفس انتهى
قال أبو جعفر النحاس في كتاب معاني القرآن له بعد أن ساق رواية على بن أبي طلحة عن بن عباس في تأويل الآية هذا من أحسن ما قيل في تأويل الآية وأعلاه وأجله
ثم أسند عن أحمد بن حنبل قال بمصر صحيفة في التفسير رواها على بن أبي طلحة لو رحل رجل فيها إلى مصر قاصدا ما كان كثيرا انتهى وهذه النسخة كانت عند أبي صالح كاتب الليث رواها عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن بن عباس وهي عند البخاري عن أبي صالح وقد اعتمد عليها في صحيحه هذا كثيرا على ما بيناه في أماكنه وهي عند الطبري وابن أبي حاتم وابن المنذر بوسائط بينهم وبين أبي صالح انتهى
وعلى تأويل ابن عباس هذا يحمل ما جاء عن سعيد بن جبير وقد أخرجه بن أبي حاتم والطبري وابن المنذر من طرق عن شعبة عن أبي بشر عنه قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة والنجم فلما بلغ (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى) ألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلى وأن شفاعتهن لترتجى فقال المشركون ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم فسجد وسجدوا فنزلت هذه الآية
وأخرجه البزار وابن مردويه من طريق أمية بن خالد عن شعبة فقال في إسناده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فيما احسب ثم ساق الحديث
وقال البزار لا يروي متصلا إلا بهذا الإسناد تفرد بوصله أمية بن خالد وهو ثقة مشهور قال وإنما يروي هذا من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس انتهى والكلبي متروك ولا يعتمد عليه
وكذا أخرجه النحاس بسند آخر فيه الواقدي وذكره ابن إسحاق في السيرة مطولا وأسندها عن محمد بن كعب وكذلك موسى بن عقبة في المغازي عن ابن شهاب الزهري وكذا ذكره أبو معشر في السيرة له عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس وأورده من طريقه الطبري وأورده بن أبي حاتم من طريق أسباط عن السدي ورواه بن مردويه من طريق عباد بن صهيب عن يحيى بن كثير عن أبي صالح وعن أبي بكر الهذلي وأيوب عن عكرمة وسليمان التيمي عمن حدثه ثلاثتهم عن بن عباس وأوردها الطبري أيضا من طريق العوفي عن ابن عباس ومعناهم كلهم في ذلك واحد وكلها سوى طريق سعيد بن جبير إما ضعيف وإلا منقطع
لكن كثرة الطرق تدل على أن للقصة أصلا مع أن لها طريقين آخرين مرسلين رجالهما على شرط الصحيحين أحدهما ما أخرجه الطبري من طريق يونس بن يزيد عن ابن شهاب حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فذكرا نحوه
والثاني ما أخرجه أيضا عن ابن سليمان وحماد بن سلمة فرقهما عن داود بن أبي هند عن أبي العالية
وقد تجرأ أبو بكر ابن العربي كعادته فقال ذكر الطبري في ذلك روايات كثيرة باطلة لا أصل لها!!!
وهو إطلاق مردود عليه وكذا قول عياض هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ولا رواه ثقة بسند سليم متصل مع ضعف نقلته واضطراب رواياته وانقطاع إسناده وكذا قوله ومن حملت عنه هذه القصة من التابعين والمفسرين لم يسندها أحد منهم ولا رفعها إلى صاحب وأكثر الطرق عنهم في ذلك كمال واهية قال وقد بين البزار أنه لا يعرف من طريق يجوز ذكره إلا طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير مع الشك الذي وقع في وصله فلا تجوز الرواية عنه لقوة ضعفه ثم رده من طريق النظر بأن ذلك لو وقع لارتد كثير ممن أسلم قال ولم ينقل ذلك انتهى.
وجميع ذلك لا يتمشى على القواعد فإن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على أن لها أصلا وقد ذكرت أن ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح وهي مراسيل يحتج بمثلها من يحتج بالمرسل وكذا من لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض
¥