وأما إن كان الواهب لا يملك مالا غير المال الحرام، وكان الأب فقيرا محتاجا إليه فهو من مصارفه ولا يلزم إخراج قدر ما دفع إليه منه، وإن كان غير فقير ولم يعلم بحرمته عند أخذه فلا إثم عليه، وعلى من آل إليه البيت وليس فقيرا أن يخرج قدر الحرام ليطيب له الانتفاع به، لأن الحرام لا يطيب بالانتقال بالإرث، قال ابن رشد ـ الجد ـ المالكي: وأما الميراث فلا يطيب المال الحرام، هذا هو الصحيح الذي يوجبه النظر.
وقال النووي في المجموع: من ورث مالاً ولم يعلم من أين كسبه مورثه؟ أمن حلال أم من حرام؟ ولم تكن علامة فهو حلال بإجماع العلماء، فإن علم أن فيه حراماً وشك في قدره أخرج قدر الحرام بالاجتهاد. انتهى.
وأما من كان فقيرا وآل إليه شيء من المال الحرام، فلا يلزمه أن يخرج عوضا عنه، لأن القريب الفقير يجوز دفع المال الحرام إليه، ويكون حلالا له، لا حراما عليه، قال النووي في المجموع عن الغزالي: وإذا دفعه إلى الفقير لا يكون حراما على الفقير, بل يكون حلالا طيبا, وهذا الذي قاله الغزالي في هذا الفرع ذكره آخرون من الأصحاب ـ وهو كما قالوه ـ نقله الغزالي ـ أيضا ـ عن معاوية بن أبي سفيان وغيره من السلف, وعن أحمد بن حنبل والحارث المحاسبي وغيرهما من أهل الورع.
وقال أيضا: وله ـ أي حائز المال الحرم ـ أن يتصدق به على نفسه وعياله إن كان فقيراً، وله أن يأخذ قدر حاجته، لأنه ـ أيضاً ـ فقير.
وجاء في الاختيار لتعليل المختار: والملك الخبيث سبيله التصرف به، ولو صرف في حاجة نفسه جاز، ثم إن كان غنيًا تصدق بمثله، وإن كان فقيرًا لا يتصدق. انتهى.
وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 16295، 57390، 25616.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى
***************************************
والمسألة الثانية:-
الفهرس» فقه الأسرة المسلمة» حقوق الأولاد» الولاية» على المال (47)
رقم الفتوى: 111115
عنوان الفتوى: مذاهب الفقهاء في الاقتراض من مال اليتيم
تاريخ الفتوى: 15 شعبان 1429/ 18 - 08 - 2008
السؤال
هل يجوز لي استعمال مال محفوظ لولدي المرحومة أختي بنية السلفة والأداء في الوقت المعلوم وبالمبلغ المعلوم وهذا بعد أخذ موافقة الجدة التي هي أمي، وما هي السن اللازمة لدفع المال لليتيم؟ وهل يوزع هذا المال مناصفة بين الذكر والأنثى؟ أم للذكر مثل حظ الأنثيين؟ علما أن أصل هذا المال هو حاصل بيع بعض أغراض والدة اليتيمين واقتطاعات الجدة، التي هي كافلتهم، من نفقة والد اليتيمين دون أن تأخذ إذنهم ودون أن يؤثر ذلك على معيشتهم. وهل يطلق لفظ اليتيم على من فقد أحد والديه فقط؟
الفتوى
خلاصة الفتوى:
لا يجوز الاقتراض من مال اليتيم إلا إذا كان في ذلك مصلحة له، ولا يتصرف في ماله إلا وليه، وليس للجدة ولاية على مال اليتيم، واليتيم من مات أبوه لا من ماتت أمه، ويدفع مال اليتيم إليه إذا وجد منه الرشد بعد البلوغ، وما كان من المال تركة وزع بين الأيتام على حسب نصيبهم الشرعي، وما كان هبة وزع على وفق نية الواهب.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنقول ابتداء: إن لفظ اليتيم يطلق على من مات أبوه وهو دون سن البلوغ، فالصبي يتيم، والصبية يتيمة، فإذا بلغا زال عنهما وصف اليتم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: .... لا يتم بعد احتلام ... رواه أبو داود.
وقد يطلق عليهما بعد البلوغ وصف اليتم مجازا. جاء في النهاية: وقد يُطْلَق عَلَيْهِما مَجازًا بَعْد البُلُوغ كما كانُوا يُسَمُّون النبي صلى الله عليه وسلم وهو كَبِير يَتِيم أبي طَالِب لأنه رَبَّاه بَعْد مَوْتِ أبِيه، ومنه الحديث: تُسْتَأمَرُ اليَتِيمَة في نَفْسِها فإن سَكَتَتْ فهو إذْنُها، أرادَ باليَتِيمَة البِكْرَ البَالِغَة التي مَاتَ أبُوها قَبْل بُلُوغِها فَلَزِمَها اسْمُ اليُتْم فَدُعِيت بِه وهِي بَالِغَة مَجَازًا، وقِيل المَرْأَة لا يَزُول عَنْها اسم اليُتْم ما لم تَتَزَوج، فإذا تَزَوَّجَت ذَهَب عَنْها ... انتهى.
ولا يسمى من ماتت أمه يتيما، جاء في لسان العرب: وقال ابن السكيت: اليُتْمُ في الناس من قِبَل الأَب، وفي البهائم من قِبَل الأُم، ولا يقال لمن فَقَد الأُمَّ من الناس يَتِيمٌ، ولكن منقطع ... انتهى.
¥