تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأضاف الإمام ابن تيمية الإشارة إلى آثار السلف في المباعدة بين الجنسين، حيث يقول رحمه الله: (وقد كان عمر بن الخطاب يأمر العزاب أن لا تسكن بين المتأهلين، وأن لا يسكن المتأهل بين العزاب، وهكذا فعل المهاجرون لما قدموا المدينة على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ونفوا شابا خافوا الفتنة به من المدينة إلى البصرة) (الفتاوى، 34/ 181).

وأما الإمام ابن القيم - رحمه الله - فلم يكتف ببيان "تحريم الاختلاط" شرعاً كما ذكره غيره من الفقهاء، بل عقد له فصلاً خاصاً في كتابه المعروف "الطرق الحكمية" صدّره بقوله: (فصلٌ: ومن ذلك أن ولي الأمر يجب عليه أن يمنع اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق والفرج ومجامع الرجال) (الطرق الحكمية، 237).

ثم شرح الإمام ابن القيم مخاطر الاختلاط معززاً ذلك بآثار عن السلف كعمر بن الخطاب والامام مالك والامام أحمد وغيرهم.

واستمر تأكيد ابن القيم على تحريم الاختلاط في كتابه الآخر "إعلام الموقعين" وهو الكتاب الذي برزت فيه روحه الأصولية ورهافة ذوقه الفقهي، وبالمناسبة فهذا الكتاب من أميز الكتب التراثية في التدريب العملي على مهارات "تحليل علل الأحكام"، حيث يقول رحمه الله فيه: (النساء لسن من أهل البروز ومخالطة الرجال) (إعلام الموقعين، 2/ 114).

وأما المصادر التي تعين المعتمد في المذهب الحنبلي في مجال (القضاء والفتيا) فهما كتابي "شرح منتهى الإرادات" و "كشاف القناع"، وهما الكتابان المعتمدان تاريخياً في القضاء الشرعي السعودي، وقد كان صدر باعتمادهما في القضاء الشرعي عدة قرارات رسمية، وفي هذا الكتاب - أعني "كشاف القناع"- يقول البهوتي رحمه الله: (ويمنع فيه اختلاط الرجال والنساء، لما يلزم عليه من المفاسد) (كشاف القناع، 2/ 367).

وأما في علم (الآداب الشرعية) فإن من أوسع كتب الحنابلة فيها كتاب الإمام السفاريني الحنبلي "غذاء الألباب"، والذي شرح فيه منظومة الآداب الشهيرة لابن عبدالقوي، وفي هذا الكتاب يقول الإمام السفاريني رحمه الله: (والمحمود من الغيرة صون المرأة عن اختلاطها بالرجال) (غذاء الألباب، 2/ 400).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 307): (وأما ما يفعل في هذه المواسم مما جنسه منهي عنه في الشرع - فهذا لا يحتاج إلى ذكر لأن ذلك لا يحتاج أن يدخل في هذا الباب- مثل: رفع الأصوات في المسجد، أو اختلاط الرجال والنساء، أو كثرة إيقاد المصابيح زيادة على الحاجة أو إيذاء المصلين أو غيرهم بقول أو فعل:

فإن قبح هذا ظاهر لكل مسلم).

وقال الإمام ابن القيم في كتابه الطرق الحكمية في السياسة (1/ 406): (وَمِنْ ذلك: أَنَّ وَلِيَّ الْأَمْرِ يَجِبُ عليه أَنْ يَمْنَعَ اخْتِلَاطَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ في الْأَسْوَاقِ وَالْفُرَجِ وَمَجَامِعِ الرِّجَالِ، الْإِمَامُ مَسْئُولٌ عن ذلك وَالْفِتْنَةُ بِهِ عَظِيمَةٌ: قال صلى اللَّهُ عليه وسلم ما تَرَكْت بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ على الرِّجَالِ من النِّسَاءِ.

وقد مَنَعَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه النِّسَاءَ من الْمَشْيِ في طَرِيقِ الرِّجَالِ وَالِاخْتِلَاطِ بِهِمْ في الطَّرِيقِ، فَعَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يقتدي بِهِ في ذلك.

وَلَا رَيْبَ أَنَّ تَمْكِينَ النِّسَاءِ من اخْتِلَاطِهِنَّ بِالرِّجَالِ أَصْلُ كل بَلِيَّةٍ وَشَرٍّ وهو من أَعْظَمِ أَسْبَابِ نُزُولِ الْعُقُوبَاتِ الْعَامَّةِ كما أَنَّهُ من أَسْبَابِ فَسَادِ أُمُورِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ.

وَاخْتِلَاطُ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ سَبَبٌ لِكَثْرَةِ الْفَوَاحِشِ وَالزِّنَا، وهو من أَسْبَابِ الْمَوْتِ الْعَامِّ وَالطَّوَاعِينِ الْمُتَّصِلَةِ). أ. هـ باختصار.

وقال في إعلام الموقعين (2/ 168): (فَرَّقَتْ الشريعة بَيْنَ الرجال والنساء في أَلْيَقِ الْمَوَاضِعِ بِالتَّفْرِيقِ، وهو الْجُمُعَةُ وَالْجَمَاعَةُ، فَخَصَّ وُجُوبَهُمَا بِالرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، لِأَنَّهُنَّ لَسْنَ من أَهْلِ الْبُرُوزِ وَمُخَالَطَةِ الرِّجَالِ).

وقال ابن رجب في فتح الباري في شرح صحيح البخاري (1/ 508): (المشروع تميز النساء عَن الرجال جملة؛ فإن اختلاطهن بالرجال يخشى منهُ وقوع المفاسد).

وفي بُعْد نساء سلف أمتنا عن الاختلاط -قبل احتلالها من قبل الصليبيين- أكتفي بما قاله الإمام ابن العربي في أحكام القرآن (3/ 569)، فقد قال: (ما رأيت نساءً أصون عيالاً ولا أعف نساءً من نساء نابلس، فإن أقمت فيها أشهراً، فما رأيت امرأةً في طريق نهاراً إلا يوم الجمعة، فإنهن يخرجن إليها حتى يمتلئ المسجد منهن، فإذا قضيت الصلاة وانقلبن إلى منازلهن لم تقع عيني على واحدة منهم إلى الجمعة الأخرى).

وقال ابن كثير في تفسير القرآن العظيم (3/ 287): (ومن ذلك أيضاً: أنهن ينهين عن المشي في وسط الطريق لما فيه من التبرج).

وقال الشوكاني في نيل الأوطار (2/ 357): (عن أُمِّ سَلَمَةَ قالت كان رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا سَلَّمَ قام النِّسَاءُ حين يَقْضِي تَسْلِيمَهُ وهو يَمْكُثُ في مَكَانِهِ يَسِيرًا قبل أَنْ يَقُومَ قالت فَنَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ ذلك كان لِكَيْ يَنْصَرِفَ النِّسَاءُ قبل أَنْ يُدْرِكَهُنَّ الرِّجَالُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ0 والْحَدِيثُ فيه أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ مُرَاعَاةُ أَحْوَالِ الْمَأْمُومِينَ وَالاحْتِيَاطُ في اجْتِنَابِ ما قد يَقْضِي إلَى الْمَحْذُورِ وَاجْتِنَابُ مَوَاقِعِ التُّهَمِ وَكَرَاهَةُ مُخَالَطَةِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ في الطُّرُقَاتِ فَضْلًا عن الْبُيُوتِ).

وقال أيضاً في (3/ 375): (وَفِيهِ أَيْضًا تَمْيِيزُ مَجْلِسِ النِّسَاءِ إذَا حَضَرْنَ مَجَامِعَ الرِّجَالِ لِأَنَّ الاخْتِلاطَ رُبَّمَا كان سَبَبًا لِلْفِتْنَةِ النَّاشِئَةِ عن النَّظَرِ أو غَيْرِهِ) 0

وبعد فهل يصح أن يقال بعد هذا السرد لأقوال أهل العلم بأن الاختلاط: (مصطلح طارئ غير معروف بذلك المعنى عند المتقدمين في مباحث الفقه)! هذا – والله – ما لا يمكن قبوله!

يتبع .......

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير