علم أن هناك خصوصية ما لأم سليم وأختها أم حرام، وأقدم من بين هذه الخصوصية من السلف -حسب علمي- هو عبد الله بن وهب حيث يقول: ((أم حرام إحدى خالات النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة فلذلك كان يقيل عندها وينام في حجرها وتفلي رأسه)).
وقد أحسن الشاطبي حيث قال: ((فلهذا كله يجب على كل ناظر في الدليل الشرعي مراعاة ما فهم منه الأولون، وما كانوا عليه في العمل به فهو أحرى بالصواب وأقوم في العلم والعمل)).
فإن قال قائل إن دعوى محرمية الرضاع هذه تحتاج إلى نص صريح، ولا يوجد؟.
قلت (الدكتور علي الصياح): الأمور المتقدمة: -
1 - تعامل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أم سليم وأختها أم حرام تعامل المحارم بعضهم مع بعض.
2 - عدم وجود نص واحد-قولي أو فعلي- يدل على خصوصية النبي - صلى الله عليه وسلم - بالخلوة أو النظر أو المس كما تقدم.
3 - -امتناع النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مصافحة النساء في البيعة والاكتفاء بالكلام كما تقدم.
4 - -وكذلك قوله للصحابيين: ((على رسلكما إنما هي صفية بنت حيي)).
5 - -مع تنصيص السلف على ذلك.
6 - -ثم إن الرضاع من النساء الأجنبيات من الأمور المنتشرة في ذلك الوقت، وربما خفي أمره على أقرب الناس وتقدم ذكر عدد من الأحاديث الصحيحة الدالة على ذلك.
فهذه الأمور مجتمعة تعد من قبيل تظافر الدلائل التي لا تخطىء، والدلالات التي تورث اليقين بأن هناك محرمية بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وأم حرام، وبأقل من هذه القرائن يستدل على مثل هذه القضايا، فكيف بهذه القرائن مجتمعة والله أعلم. انتهى كلام الدكتور علي الصياح.
قلت: وبعد هذا كله لا يشك أحد في أن النبي عليه الصلاة والسلام محرم لأم حرام بنت ملحان.
الدليل التاسع عشر:وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالبطحاء، فقال: (أحججت)؟ قلت: نعم، قال: (بما أهللت)؟ قلت: لبيك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (أحسنت، انطلق، فطف بالبيت وبالصفا والمروة). ثم أتيت امرأة من نساء بني قيس، ففلت رأسي، ثم أهللت بالحج ... الحديث».
قلت (القائل الدكتور): أخرجه البخاري ومسلم، وهذا الفعل من أبي موسى يشعر بأن ذلك أمر لم يكن يستخفى به، بل حدث به دون نكير وفعل أبي موسى رضي الله عنه وفهمه يعضد ما تقدم من الرد على من زعم خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
الرد على هذا الدليل:جاء فيشرح النووي على مسلم - (4/ 318) قَوْله: (ثُمَّ أَتَيْت اِمْرَأَة مِنْ بَنِي قَيْس فَفَلَتْ رَأْسِي) هَذَا مَحْمُول عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَة كَانَتْ مَحْرَمًا لَهُ.
قلت: لا سيما وأنهما من بني قيس جميعا.
الدليل العشرون:وعن أم عطية رضي الله عنها قالت: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا: (أن لا يشركن بالله شيئا) ونهانا عن النياحة، فقبضت امرأة يدها فقالت: أسعدتني فلانة، أريد أن أجزيها، فما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم شيئا، فانطلقت ورجعت، فبايعها.
قلت (القائل الدكتور): أخرجه البخاري، وفيه ما يشير لمشروعية مصافحة النساء من قولها «فقبضت امرأة يدها» ولا صارف يصرف النص عن ظاهره فضلا عما يشهد له من النصوص الأخرى، فحديث أم عطية رضي الله عنها يفيد جواز ما هو أكثر من الاختلاط وهي المصافحة.
وهذا لا يعارضه ما روته عائشة رضي الله عنها بقولها «ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة إلا امرأة يملكها»؛ فإن ذلك لا يؤخذ منه تحريم المصافحة؛ لأنه ليس فيه إلا إخبار عائشة رضي الله عنها عما رأته وليس فيه نهي ولا نفي لما لم تره، وقد روى ما يدل على مشروعية مصافحة المرأة غير عائشة رضي الله عنها، ويشهد لصحة معناه أحاديث أخرى.
الرد على هذا الدليل:قلت:الغريب أن الدكتور يتمسك بأدنى قرينة ولو ضعيفة فتجده يقويها بكلام من عنده لأجل اثبات مراده، وهذا واضح جلي في استنباطه لمشروعية المصافحة للمرأة الأجنبة، والغريب أنه يطرح تلك الأحاديث الثابتة عنه عليه الصلاة والسلام ولا يتطرق لها، مع أنها صريحة في نفيه عن مصافحة النساء وسأذكر بعض هذه الأحاديث:
¥