تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأوّل: أن دلالة " لتأخذ بيد رسول الله" على المس غير بينة إذ ربما يراد بذلك الإشارة إلى غاية التصرف واللين، قَالَ ابن حَجَر: ((والمقصود من الأخذ باليد لازمه وهو الرفق والانقياد، وقد اشتمل على أنواع من المبالغة في التواضع لذكره المرأة دون الرجل والأمة دون الحرة وحيث عمم بلفظ الإماء أي أمة كانت وبقوله حيث شاءت أي من الأمكنة والتعبير بالأخذ باليد إشارة إلى غاية التصرف حتى لو كانت حاجتها خارج المدينة)) فتح الباري (10/ 490).، وعلى كل حال هذه الدلالة معارضة بما هو أقوى وأصرح وهوالتصور السليم للحياة في عهد النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - كما هي من الطهر والعفاف والصدق والمحبة والإيثار والتضحية، والمبادرة إلى طاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فما إنْ يرد الأمر والنهي إلاّ ويبادروا إليه دون تلكأ وتأخير.

الثاني: أنّ الحَدِيث نصّ على الإماء، ولا يخفى أنّ الإماء يفارقن الحرائر بأحكام كثيرة -فلا يخلو باب من أبواب الفقه - في الغالب - من ذكر الفروق بين الحرائر والإماء-، فملامسة الأمة أخف من ملامسة الحرائر، وكذلك النظر إليها وغير ذلك من الأحكام، وتبقى الحرائر على الأصل في تحريم المس.

قلت: وتطرق الاحتمال للدليل يسقط الاستدلال به، لاسيما اذا كان الاحتمال قويا وله مايؤيده من الأدلة الأخرى المبينة لتحريم مس الأجنبية.

الدليل الثالث والعشرون:وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، قالت: تزوجني الزبير، وما له من الأرض من مال ولا مملوك ... الحديث بطوله، وفيه، قالت: (لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسي النوى، ومعه نفر من أصحابه، فأناخ لأركب معه).

قلت أي الدكتور: أخرجه البخاري ومسلم.

وفي لفظ آخر ( ... فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار فدعاني ثم قال «إخ إخ» ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته وكان أغير الناس، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أني استحييت فمضى، فجئت الزبير فقلت لقيني النبي صلى الله عليه وسلم وعلى رأسي النوى، ومعه نفر من أصحابه فأناخ لأركب فاستحييت منه، وعرفت غيرتك. فقال: والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه. قالت: حتى أرسل إلي أبو بكر بعد ذلك بخادم تكفيني سياسة الفرس فكأنما أعتقني).

قلت أي الدكتور: أخرجه البخاري، وفيه جواز إرداف المرأة وهو يفيد جواز ما هو أكثر من الاختلاط كالإرداف والمصافحة ونحوها وهو على ملأ من الصحابة ولم يخصص نفسه عليه السلام بذلك.

الرد على هذا الدليل:قلت:أنّ في دلالة مفهوم الحَدِيث احتمالا؛ قَالَ ابن حَجَر: ((قوله:" ليحملني خلفه" كأنها فهمت ذلك من قرينة الحال، وإلا فيحتمل أنْ يكونَ - صلى الله عليه وسلم - أراد أنْ يركبهاوما معها، ويركب هو شيئا آخر غير ذلك)) فتح الباري (9/ 323). وإذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال خاصة مع وجود قرائن ترجح هذا الاحتمال، وهي الأحاديث الصحيحة عن النبي عليه الصلاة والسلام التي بينت عدم مماسته للنساء، وإذا اختلف الفعل مع القول فيقدم القول ويحمل الفعل على الخصوصية.

على أنّ الإرداف أحياناً لا يستلزم المماسة قَالَ العظيم آبادي - تعليقاً على حَدِيثِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ قَالَتْ: جئتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - في نسوةْ من بني غفار وفيه " وكنت جارية حديثا سني فأردفني رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى حَقِيبَةِ رَحْلِهِ فنزل إِلَى الصُّبْحِ فَأَنَاخَ، وإذا أنا بالحقيبة عليها أثر دَمٌ مِنِّي فَكَانَتْ أَوَّلُ حَيْضَةٍ حِضْتُهَا " -: ((قَالَ ابن الأثير: الحقيبةُ هي الزيادة التي تجعل في مؤخر القتب انتهى، فالإرداف على حقيبة الرّحل لا يستلزم المماسة فلا إشكال في إردافه - صلى الله عليه وسلم - إياها)) عون المعبود (1/ 347).

قالَ النَّوَوِيّ: ((وَفِيهِ جَوَاز إِرْدَاف الْمَرْأَة الَّتِي لَيْسَتْ مَحْرَمًا إِذَا وُجِدَتْ فِي طَرِيق قَدْ أَعْيَتْ , لا سِيَّمَا مَعَ جَمَاعَة رِجَال صَالِحِينَ , وَلا شَكّ فِي جَوَاز مِثْل هَذَا.

وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض: هَذَا خَاصّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلافِ غَيْره , فَقَدْ أَمَرَنَا بِالْمُبَاعَدَةِ مِنْ أَنْفَاس الرِّجَال وَالنِّسَاء , وَكَانَتْ عَادَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبَاعَدَتهنَّ لِتَقْتَدِي بِهِ أُمَّته, قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ خُصُوصِيَّة لَه لِكَوْنِهَا بِنْت أَبِي بَكْر , وَأُخْت عَائِشَة , وَامْرَأَةالزُّبَيْر , فَكَانَتْ كَإِحْدَى أَهْله وَنِسَائِهِ , مَعَ مَا خُصَّ بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمْلَك لِإِرْبِهِ. وَأَمَّا إِرْدَاف الْمَحَارِم فَجَائِز بِلا خِلَاف بِكُلِّ حَال)) شرح صحيح مسلم (14/ 166).

قال الدكتور علي الصياح: دعوى الخُصُوصِيَّة فيها نظرٌ فالحَدِيثُ ليس فيه خلوة، ولا نظر، ودلالة المماسة محتملة كما تقدم، فلا يصح الاستدلال به على الخُصُوصِيَّة، واللهُ أعلم. إشكال وجوابه في حديث أم حرام بنت ملحان - (1/ 55).

الى هنا انتهت أدلة الدكتور في اباحته للاختلاط واتضح لك من خلال ما تقدم أن أدلته على ذلك ضعيفة لا ترقى الى القول بالجواز الذي يطمح له الدكتور.

يتبع .......

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير