وذهب آخرون إلى أن تركه أفضل، ويروى عن الصديق أنه في مرضه لما قيل له: ألا ندعو لك الطبيب؟ فقال: الطبيب أمرضني، ولكن لا يُعرف صحةُ هذا عن الصديق.
فالمقصود أن الذي عليه جمهور أهل العلم وهو الصواب أن التداوي مستحب بالأدوية الشرعية المباحة التي ليس فيها حرام، كالتداوي بقراءة القرآن والرقية الشرعية والتداوي بالكي؛ فالكي، لا بأس به عند الحاجة.
وقد رقى النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه، وقد رقاه جبريل عليه الصلاة والسلام، فالتداوي لا بأس به والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (عباد الله تَدَاوَوْا وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ) فالتداوي أمر مشروع لا بأس به ولا ينافي التوكل.
التوكل يشمل الأمرين؛ الاعتماد على الله والتفويض إليه مع تعاطي الأسباب، ولا ينبغي للإنسان أن يقول: أنا أتوكل على الله ولا آكل ولا أشرب ولا أتزوج ولا أتسبب، ولا أبيع ولا أشتري، ولا أتعاطي زراعة ولا صناعة، هذا غلط فتعاطي الأسباب لا ينافي التوكل بل هو من التوكل، وهكذا التداوي من التوكل، ولهذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم، وسئل عن الرقى وأدوية قال: (هي من قدر الله).
وقال عمر رضي الله عنه لما أتى الشام وبلغه أن بالشام وباء الطاعون، انصرف الناس فرجع بهم وقال: نفر من قدر الله إلى قدر الله. ثم أبلغه عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإذا سمعتم به في بلد فلا تقدموا عليه) فَسُرَّ بذلك لأنه السنة.
فالمقصود أن التداوي أمر مشروع على الصحيح وهو قول أكثر أهل العلم، ومن تركه فلا حرج عليه. وإذا ظن نفعه واشتدت الحاجة إليه تأكد لأن تركه يضر، ويتعب نفسه، ويتعب أهله، ويتعب خدامه، فالتداوي فيه مصالح لنفسه ولأهله؛ ولأن التداوي يعين على أسباب الشفاء، ويعين على طاعة الله، حتى يصلي في المسجد، وحتى يقوم بأمور تنفع الناس وتنفعه، فإذا تعطل بسبب المرض تعطلت أشياء كثيرة، وإن كان يثاب في حال المرض عما كان يعمله في حال الصحة كما في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمل وهو صحيح مقيم) هذا من فضل الله جل وعلا.
ولكن التداوي فيه مصالح كثيرة إذا كان بالوجه الشرعي والأدوية المباحة هذا هو الصواب. ومن قال: إنه مستوي الطرفين أو إن تركه أفضل. فقوله مرجوح، والحق أحق بالاتباع، والأدلة الشرعية مقدمة على كل أحد.
وأما احتجاجهم بحديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب؛ فهؤلاء السبعون ألف ما تركوا الأسباب، إنما تركوا الاسترقاء وهو طلب الرقية من الناس، فهذه تركها أفضل، وتركوا الكي وتركه أفضل، لكن عند الحاجة لا بأس بالكي، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (الشفاء في ثلاث: كية نار، أو أشرطة محجم، أو شربة عسل، وما أحب أن أكتوي) وفي لفظ آخر قال: (وأنا أنهي أمتي عن الكي) قد كوى صلى الله عليه وسلم أصحابه، فإذا دعت الحاجة إلى الكي فلا بأس به، وهو سبب مباح عند الحاجة إليه.
والاسترقاء: طلب الرقية، أما إذا رُقِيَ من دون سؤال فهو من الأسباب ولا بأس به، ولا كراهة في ذلك.
أما الطيرة في حديث السبعين ألفاً الذين لا يسترقون ولا يكتون ولا يتطيرون ـ فالطيرة محرمة وشرك أصغر، وهو التشاؤم بالمرئيات والمسموعات حتى يرجع عن حاجته، هذا لا يجوز وقوله صلى الله عليه وسلم: (وعلى ربهم يتوكلون) هذا يشمل المتداوي وغيره، فإن التوكل لا يمنع من تعاطي الأسباب، ألست تأكل؟ ألست تشرب؟ فالأكل سبب للشبع ولقوام هذا البدن وسلامته، هكذا الشرب لا يجوز للإنسان أن يقول: أنا لا آكل ولا أشرب وأتوكل على الله في حياتي وأبقى صحيحاً سليماً. فهذا لا يجوز، ولا يقوله عاقل، هكذا يلبس الثياب الثقيلة في الشتاء للدفء لأنه يضره البرد، وهكذا الأسباب الأخرى من إغلاق الباب خوفاً من السراق، كذلك حمل السلاح عند الحاجة، كل هذه أسباب مأمور بها لا تنافي التوكل، والنبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد المتوكلين في أُحُد حمل السلاح ولبس اللأمة، وفي بدر كذلك، وفي أُحُد ظاهر بين درعين أي لبس الدرعين، ودخل مكة صلى الله عليه وسلم وعليه المغفر، كل هذه أسباب فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم وهو سيد المتوكلين عليه الصلاة والسلام" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (1/ 365 – 368).
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (1/ 365 – 368).
http://www.islam-qa.com/ar/ref/147231
ـ[عمرو جمال حسن أبوشاهين]ــــــــ[05 - 10 - 10, 01:51 ص]ـ
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و بعد:-
فالذي يبدوا و الله أعلى و أعلم
أن الذي يمرض بمرض من شأنه أن يفضي بالإنسان- و كل شيء بقدر الله- إلى الهلاك كالسرطان مثلا أو نحوه
فهذا يجب عليه التداوي لأنه داخل تحت بند حفظ النفس وهو من الكليات الخمس
و أما الذي يمرض بمرض من شأنه ألا يفضي بالإنسان إلى الهلاك كالصداع مثلا أو ألم الأصبع فهذا يندب له التداوي
لقوله عليه الصلاة و السلام " تداووا عباد الله .... "
و الله أعلم
¥