هل بالإمكان الجمع بين الأمرين، بمعنى أن تكون المرأة كاشفة لوجهها وكفيها، وفي نفس الوقت يحرم على الرجل النظر إليهما .. ؟
عند الشافعية نعم .. فهم يقولون أن الرجل يجب أن يغض بصره عن النظر إلى وجه المرأة، فلا ينظر إليه.
كحال الرجل إذا وقف أمام امرأة مكشوفة الذراعين مثلا ... فماذا سيفعل؟ لا شك أن الواجب عليه هو غض بصره وعدم النظر إليهما .. هذا أيضا في حالة النظر إلى الوجه .. يجب على الرجل غض بصره وعدم النظر إليه.
هذا هو مذهب الشافعية (وهو مذهب الحنابلة أيضا) في هذه المسألة.
والشافعية يذكرون عورة الستر في كتاب الصلاة تحت باب ستر العورة.
ويذكرون عورة النظر في كتاب النكاح؛ وهم هنا يلحقون النظر بباب النكاح لأن النكاح يستلزم النظر إلى وجه المرأة وكفيها قبل نكاحها .. فيتحدثون عن النظر بوجه عام في هذا الكتاب.
كان هذا هو الجزء النظري ... فما هو مُسْتند هذا الكلام من كتب الشافعية.
سنذكر الكتاب الذي اخترتِ، وهو كتاب تحفة المحتاج، وهو للإمام ابن حجر الهيتمي المكي، وهو شرح لكتاب المنهاج للإمام النووي.
قال الشيخ الشرواني في حاشيته على شرح ابن حجر. (حواشي تحفة المحتاج 2/ 110)
{(وستر العورة) والعورة لغة النقصان والشيء المستقبح وسمي المقدار الآتي بيانه بذلك لقبح ظهوره وتطلق أيضا أي شرعا على ما يجب ستره في الصلاة وهو المراد هنا وعلى ما يحرم النظر إليه وسيأتي في النكاح إن شاء الله تعالى}.
هذا هو الجزء الأول في بيان تفريق الشافعية بين عورة الستر، وعورة النظر. وأن عورة الستر تُوضح في الصلاة، وعورة النظر تُوضح في النكاح.
وهذا الكلام من الشيخ الشرواني سبقه إليه الإمام الرافعي أبو القاسم: قال في فتح العزيز (2/ 35)
{وقوله عورة في الصلاة أشار به إلى أن العورة قد تطلق لمعنى آخر وهو ما يحرم النظر إليه وكلامنا الآن فيما يجب ستره في الصلاة فأما ما يجوز النظر إليه وما لا يجوز فيذكر في أول كتاب النكاح}
استشكال: يستشكل بعض الإخوة هذا الكلام، ويقول أن إطلاق عورة الستر عموما على ما عدا الوجه والكفين استنادا لأنهما ليسا من عورة المرأة في الصلاة خطأ .. لأن الشافعية يقولون عورة المرأة الحرة في الصلاة. فهذه عورة ستر في الصلاة، فلا يلزم من هذا أن تكون عورة ستر أمام الأجانب أيضا.
والإخوة في استشكالهم هذا يستندون إلى النص الذي ذكرناه:
(على ما يجب ستره في الصلاة وهو المراد هنا)
فيقولون أنه ذكر ما يجب ستره في الصلاة، فهذا متعلق بالصلاة فقط، وليس أمام الأجانب أيضا.
والرد على هذا الاستشكال من وجهين.
الوجه الأول: أننا لم نجد نصا للشافعية ولا غيرهم فيما يمكن أن يطلق عليه (عورة الستر أمام الأجانب) إلا للإمام ابن تيمية رحمه الله ومن وافقه من بعده على هذه المسألة ... وهي اختلاف عورة الستر في الصلاة عن عورة الستر خارج الصلاة.
فهم (أي الشافعية ومعهم الحنابلة أيضا) يطلقون العورة على أمرين كما مر، ما يجب ستره، وما يحرم النظر إليه.
وليس في هذين الأمرين ما يجب ستره خارج الصلاة.
وقد أوضحنا سابقا أنه لا تلازم بين النظر والإظهار عند الشافعية. فيجوز الإظهار ويحرم النظر.
الوجه الثاني: أن الشافعية أنفسهم عندما يفصلون العورة في كتاب الصلاة، يقولون أنه يجب سترها خارج الصلاة.
فمن تحفة المحتاج مرة أخرى في كتاب الصلاة. في ستر العورة، والكلام هنا لابن حجر
{ويلزمه أيضا سترها خارج الصلاة ولو في الخلوة لكن الواجب فيها ستر سوأتي الرجل والأمة وما بين سرة وركبة الحرة}. انتهى كلام ابن حجر
ولشرح هذا الكلام
يلزمه أيضا (أي المكُلَّف) سترها (أي العورة) خارج الصلاة ولو في الخلوة لكن الواجب فيها (أي في الخلوة) ستر سوأتي الرجل والأمة وما بين سرة وركبة الحرة.
استشكال على الوجه الثاني: قد يستشكل بعض الإخوة هذا الكلام ويقول أن المقصود بقوله (خارج الصلاة) هو أمام المحارم مثلا، وليس أمام الأجانب .. وللجواب على هذا الاستشكال نقول:
أولا: أن قوله خارج الصلاة عام، فلا يجب تخصيصه بالمحارم فقط.
¥