ـ[عصام الصاري]ــــــــ[16 - 12 - 10, 04:14 م]ـ
بعد شكري للأخوين الفاضلين مصطفى البشير، ومحمود محمود، على هذه المشاركات الجادَّةِ، أودُّ أن أقولَ بخصوص دفع التعارض الذي في كلام الباجي:
قولُ الباجي:" وإنما هو من باب الاِعتماد "، أراد أن الكراهة واردةٌ من جهة الاِعتماد وهو أمرٌ خارجٌ عن أصل وضع اليمنى على اليسرى، أما أصل وضعها فاختُلف عنه فيه هل هو من هيئات الصلاة أم لا، أي: هل هو من الأمور المستحسَنة فيكون مستحباًّ فيها أم لا فيكون جائزاً، روايتان اقتَصر عليهما عبدُ الوهاب في حكاية الخلاف في مسألة وضع اليمنى على اليسرى، وأَخرج الكراهةَ؛ لأنها في غير محل الخلاف؛ إذْ يقولُ بها القائلون باستحباب الوضع والقائلون بالجواز؛ ولأن الذي يختلفُ معه الحكم بين النافلة والفريضةُ إنما هو الاِعتمادُ لا الوضعُ نفسُه، والكلامُ إنما هو في الوضع، وهذا ما عناه الباجيُّ بقوله:" وليس في اعتمادٌ فيفرق فيه بين النافلة والفريضة "، فالضميرُ في قوله:" ليس فيه اعتمادٌ " راجعٌ إلى أصل الوضع، والضمير في قوله أولاً:" هو من باب الاِعتماد " راجعٌ إلى القول بالمنع الذي حكاه قبْل قولِ عبد الوهاب، فانفَكَّتِ الجهةُ واندَفع التعارضُ.
ويَحتملُ عندي وجهاً آخرَ، -ولا أريدُ به التشويشَ بل المدارسةَ- وهو أن يريدَ بقوله:" وليس فيه اعتمادٌ "، نفْيَ تصوُّرِ الاِعتماد في القبض أصلاً، فلا يمكنُ القولُ حينئذٍ بالتداخل بينهما؛ ولذلك نقَل عنه فقهاءُ المذهب تعليلَ كراهة القبض بمخافة اعتقاد الناس وجوبَه (حاشية الدسوقي 1/ 250) وإن ضُعِّف باستلزامه عدمَ التفرقة بين النافلة والفريضة، وإن كان في التضعيف من أصله نظرٌ يأتي الإشارةُ إليه.
ولا يَرِد على هذا الاِحتمالِ قولُه:" وإنما منَعَ الوضعَ على سبيل الاِعتماد، ومَن حمَل منْعَ مالكٍ على هذا الوضع اعتَلَّ بذلك " يعني: بالاِعتماد؛ لأنه من توجيهِ رواية المنع، ولا يقول الباجي بالاِعتماد أصلاً على هذا الاِحتمال، بل بمخافة اعتقاد الناس الوجوبَ، وعليه فالتفرقةُ بين النافلة والفريضة لا يَرِدُ على تعليله المذكور كما ذكَره المالكيةُ؛ لوروده على الاِعتماد وليس في القبض اعتمادٌ أصلاً حتى يُفرقَ فيه بين النافلة والفريضة.
وأرجو بيانَ معنى الاِعتماد في وضع اليمنى على اليسرى وصورتِه ووجهِ المنع منه، فإنه مما خفي عليَّ.
ـ[محمود محمود]ــــــــ[17 - 12 - 10, 12:08 ص]ـ
أخي الشيخ عصام
بارك الله فيك ونفع بك
لا أخفيك أن في تصور الاعتماد من وضع اليد اليمنى على اليسرى عسرا،
ولعل ما وصف به مالك هذا الاعتماد أيسر فهما من كلمة الاعتماد ذاتها، حيث قال مالك " يعين بهما نفسه".
ومن ناحية الفهم الثاني لكلام الباجي الذي ذكرته في مدارستك فأراه غير مراد، لأن الباجي يقول إن وضع اليمنى على اليسرى ليس اعتمادا بذاته، وظاهر كلامه أنه لا ينفي احتمال أن يوجد الاعتماد مع وضع اليمنى على اليسرى، وهذا الفهم هو الذي يؤيده سياق العبارة حيث جاءت ضمن تأييد موقف القاضي عبد الوهاب.
والله أعلم وهو الموفق إلى الصواب
ـ[عصام الصاري]ــــــــ[17 - 12 - 10, 08:41 م]ـ
وهذه بعضُ مسائلَ تتعلق بالموضوع، قد ظهرَتْ لي فأَبديتُها لتكون عُرضةً للنقد والنظر:
- أنه بهذا عُلم أن الإمام الباجيَّ يقول بكراهة الاِعتماد عن طريق وضع اليمنى على اليسرى في صلاة الفريضة، والاِعتمادُ بمعنى الاِتكاء غير الحقيقي (إذا أزيلَ المتكأُ لم يَسقُطِ المصلِّي)؛ لاتحادهما في الصورة كما سيأتي، وفي الحُكم، وهو الكراهةُ وعدمُ البطلان، بخلاف غير الحقيقي (لو أُزيلَ المتكَأُ بطلَتْ صلاتُه)؛ لعدم اتحادهما في الصورة والحُكمِ؛ إذْ حكمُه الحرمةُ وبطلان الصلاة، يدل عليه قولُ العلاّمة الدرديرِ في شرح مختصره (1/ 324):" أي: لما فيه من الاِعتماد، أي: كأنه مستنِدٌ "، فقد فسَّر المعتمِدَ في ذلك بقوله:" كأنه مستنِدٌ "، ولم يقل بأنه مستنِدٌ، أي: حقيقةً؛ إذ لا يُتصورُ فيه معنى الاِستنادِ الحقيقيِّ.
- أن ظاهرَ معنى الاِعتماد الذي يَقصدُه المالكيةُ في القبض هو: أن تعتمدَ اليدُ اليسرى في وضعِها على قبض اليمنى، وهذا يَفعلُه غالبُ الناس، إن لم يكن جميعُهم، ولا يَلزمُ من ظاهرِه الكراهةُ؛ لأن علتَها عندهم قصدُ الاِعتماد، لا نفسُ الاِعتماد، ولا يكادُ يَقصِدُه أحدٌ، والقصدُ أمرٌ قلبيٌّ لا يَظهرُ للناس.
- وهل يكون الحكمُ بعدم كراهة الاِعتماد في الوضع هو الأصلَ لعدم قصد غالب الناسِ له، كتحريم مالكٍ بيوعَ العِينة بكثرة قصد الناس إليها، إلا أنه من قياس العكس، كما هو ظاهرٌ.
- كما أن التعبيرَ بالوضع في نظري القاصر، وهو ما جاء في كتب المذهب الأُولى، أجودُ من التعبير بالقبض؛ لعدم تضمُّنِه معنى الاِعتماد ولو ظاهراً، بخلاف القبض، فإنه يوهمُ ذلك ولو لم يكن جزءاً من معناه حقيقةً.
رأيَكم وانتقادَكم في المذكور: معنى الاِعتماد، وتفسيره بالاِتكاء غير الحقيقي، وفي عدم كراهة فعل الناس الاِعتمادَ في وضع اليمنى على اليسرى لعدم قصد الناس غالباً، وفي القياس على بيوع العينة، وفي تجويد التعبير بلفظ الوضع على لفظ القبض.
ودمتم في صحةٍ وخيرٍ عميمٍ ...
¥