تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعلى أي من هذين التخريجين للحديث يتم الجواب عن المسألة سواء أقلنا هو تصرف فضولي أم قلنا هو إذن عرفي قائم مقام الإذن اللفظي، فإن الغالب على أهل زماننا صعوبة التصرف في الجلد، وغالبًا ما يُبخسون في أثمانها، وعهدنا الجمعيات الخيرية يواطئ المدابغ على أعلى الأسعار المتاحة، ولا نكاد نعلم أن فقيرًا رأى أنهم قد غبنوا في هذا البيع، مع أنهم يكفونه مؤنة الحمل والنقل والدباغ قبل التلف، وعلى هذا فيقوى -والله أعلم- صحة هذا التصرف الذي قد شاع في الناس، وإن كان الأصل أن ندعو الناس إلى أخذ توكيلات قولية من الفقراء أو غيرهم بالتصرف (2)، ولكن مع صعوبة هذا بالتجربة (*) وتحقق هذه المصالح وعدم الخروج على الحكم الشرعي، فيصح القول بذلك -والله أعلم-.

وإنما نعني للكلام على هذه المسألة أننا وكثيرًا من إخواننا حاولوا مع الجمعيات الخيرية وبعض المضحين؛ فوجدوا الأمر يتعذر ويصعب (*)، وفي الأمر سعة -والحمد لله-.

ولكن يترتب على هذا التخريج بعض اللوازم، منها:

1 - لابد قبل تصرف المضحي أو وكيله "الجمعيات الخيرية" أن يعيِّن في نفسه فقيرًا أو مجموعة فقراء حتى يتصرف عنهم، أو على الأقل لو كان سيوزعها على الأسماء المدرجة بكشوف الجمعية أن يكون ذلك على باله، وليس له أن يوزع المال لغيرهم بعد ذلك فضلاً عن أن يضعها في مصارف خيرية أخرى ليس فيها تمليك.

2 - أن يبيعها بسعر المثل أو أعلى؛ لأن الوكالة المطلقة تُقيَّد بالبيع بسعر المثل.

3 - في حالة نقض أو اعتراض الفقير على هذا البيع يكون الحكم كالتالي:

1 - لو أمكن نقض البيع واقعيًا (3) وجب نقضه وإعطاء الفقير أو مجموعة الفقراء الجلد لذلك.

2 - لو تعذر الاسترجاع فالواجب قيمة المثل؛ لأن الجلد ليس من المثليات وإنما هو من القيميات؛ فإن كان باع بسعر المثل فلا ضمان وإلا ضمن الفرق.

وذلك لأن من صحَّح بيع الفضولي صححه بشرط الإجازة، فإذا أُجيز مضى، وإلا لم يصح كما سبق في نقل المذاهب.

ومع هذا فالأولى البقاء على الصورة المتفق عليها من أخذ التوكيل مسبقًا، وهنا مسألة قد يكون لها مدخل في التوسعة؛ هل يجوز أن يأخذ التوكيل قبلها بعام؟ بمعنى: في حال توزيع جلد الأضحية أو قيمتها في عام أن يتفق معهم على العام الذي يليه أو أكثر؟

الجواب: نعم يجوز ذلك؛ فالوكالة عقد جائز فيجوز عقده ولو لسنين، ولو لم يحدد المدة وهو الأصل فيها، وتجوز أيضًا مؤقتة.

قال في كشاف القناع (11/ 135): "وتصح الوكالة مؤقتة: كأنت وكيلي شهرًا، وتصح معلقة".

ولكن يجوز لكل منهما أن يفسخه متى شاء، إلا أن يفسخه في وقت يحصل به الضرر فيُمنع؛ لحديث: (لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني).

وكذا يجوز أن يعلق الوكالة على الزمن فيقول: إذا جاء عيد الأضحى فأنت وكيلي في تقبل جلود الأضاحي وبيعها.

- هل يجوز إعطاء الجلد للمسجد؟

الجواب: إعطاء الجلد للمسجد إنما يكون وقفًا للمسجد، فيحبس الجلد وينتفع به في المسجد، فإن قيل: المساجد لا يحصل الانتفاع فيها بالجلود؟

فالجواب: أولاً: قد رأيتُ -بحمد الله- أحد المساجد القديمة ويصلى فيها على جلود البقر والغنم فوق البساط، وكذا يمكن أن يجعل في الميضأة ونحوها، وأما إذا لم يمكن الانتفاع به فهل يجوز بيعه والانتفاع بثمنه للمسجد؟

سبق الكلام على مذاهب العلماء في التصرف في الوقف في حالة نقص أو انعدام المنفعة.

ولكن يبقى معنا أن يقال: إذا علم المضحي أنه لو وقف الجلد للمسجد يتعذر الانتفاع به وأن الغالب أن قيم المسجد سيبيعه ففي هذه الحالة يمنع من وقفه؛ لأنه في هذه الحالة أشبه بالحيلة على بيع الجلد.

مسألة: هل يجوز أن يلقى الجلد مع القمامة؟!

هذا التصرف يفعله بعض الناس، وهذا غير جائز، بل يجب عليه حفظها والانتفاع بها أو دفعها لمن ينتفع بها؛ لأنها ليست ملكًا له، ولكنها كأنها وقف لله.

قال النووي -رحمه الله- في المجموع) 8/ 392): "قال أصحابنا: وليس له أن يتلف من لحم التطوع بها شيئًا، بل يأكل ويطعم .. "، فلا يجوز للإنسان هذا الفعل.

وبهذا يظهر الجواب على شبهة من يقول: أيهما أفضل: إلقاء الجلد أم بيعه والصدقة بثمنه؟

فالجواب: لا يجوز إلقاؤه في القمامة، بل يحفظ ويستعمل وبالتالي تسقط الشبهة.

فائدة: طرق استعمال المتقدمين لجلود الأضاحي:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير