وربما اشترط المجيزون أيضاً على جواز اشتراط غرامة التأخير، أو الشرط الجزائي في الديون بما ذهب إليه جمهور الفقهاء ما عدا الحنفية من أن منافع الأعيان المغصوبة مضمونة [41].
والجواب عن ذلك أنه مع التسليم بذلك أن هناك فروقاً جوهرية بين النقود (وبالأخص النقود الورقية) وبين الأعيان من العقارات والحيوانات ونحوهما من عدة أوجه من أهمها أن الأعيان يمكن الاستفادة من منافعها كالسكنى في العقارات والركوب في الحيوانات ولذلك يجوز تأجيرها بمال، ولكن النقود ليست لها منافع بذاتها، ولذلك لا يجوز تأجيرها، ثم إن النقود لها خصوصية حيث اشترط الرسول صلى الله عليه وسلم في بيعها المساواة الكاملة مع القبض الفوري (يداً بيد) إذا كان النقدان من جنس واحد، والقبض الفوري فقط إذا كانا مختلفي الجنس، وهذان الشرطان غير محتاج إليهما في غير النقود [42].
ثانياً: استدلوا بالمصالح المرسلة حيث إنها تقتضي منع المماطل من استغلال أموال المسلمين ظلماً وعدواناً، حيث إن هذا الظلم يقع على البنوك الإسلامية فقط دون البنوك الربوية التي تسري فيها الفائدة حسب الزمن، ومن هنا تضرر البنوك الإسلامية مرتين: مرة لأنها تحرم من أموالها، ومن استثمارها والاستفادة من فوائد استثمارها، ومرة تضعف في سوق المنافسة، وهل من المعقول أن تقف البنوك الإسلامية مكتوفة الأيدي أمام استغلال هؤلاء المماطلين الأغنياء الذين يستفيدون من هذه الثغرة أية فائدة، ولذلك أجيز التعويض عما أصاب البنك من الضرر الفعلي.
ويمكن أن يناقش هذا الدليل بأن من شروط المصالح المرسلة أن لا تصطدم مع نص شرعي، وهذه المصلحة تصطدم مع النصوص الخاصة بمنع الزيادة في الديون لا في البدء ولا في الانتهاء.
وجود الفروق بين غرامة التأخير والفائدة الربوية:
وقد أجاب هؤلاء المجيزون عن هذا وبينوا بأن هناك فروقاً بين غرامة التأخير، والفائدة الربوية تكمن في أن الفوائد الربوية مثبتة في البداية في حين أن غرامة التأخير محتملة حيث إن المدين لو لم يتأخر لم يدفع شيئاً، وأن الفوائد الربوية توضع على الدين منذ البداية في حين أن غرامة التأخير تأتي في الأخير وعند التأخير، وأن الفوائد الربوية تلزم المدين مطلقاً سواء كان عسراً أو موسراً أما غرامة التأخير فلا تلزم إلاّ عند المماطلة، وأن الفوائد الربوية تلزم المدين فور تأخير في الأداء، أما غرامة التأخير فلا تلزمه إلاّ عند المماطلة.
والجواب عن ذلك هو أن هذه الفروق ليست جوهرية ولا مؤثرة في الحكم الشرعي، وذلك لأن وجود الشرط الفاسد في العقد يجعل العقد فاسداً عند جماعة من الفقهاء والعقد الفاسد محرم، وحتى لو لم يجعله فاسداً فإن القبول بالشرط الفاسد وبالأخص القبول بأخذ الفائدة أو دفع الفائدة حرام لا يجوز الإقدام عليه.
وأما كون الفائدة مثبتة في البداية وغرامة التأخير محتملة فلا يؤثر في النتيجة إذا أدت إلى تحصيل غرامة التأخير، حيث إن القرض جرّ منفعة مادية مالية بسبب التأخير عن السداد، وهذا هو ما يتفق مع ربا الجاهلية القائم على: (إما أن تقضي في وقته أو تربى).
ثم إنه من الناحية العلمية أن بعض البنوك الإسلامية التي أجازت غرامة التأخير على ضوء بعض ضوابط شكلية، بحيث إذا توافرت بدأ الكومبيوتر في احتساب غرامة التأخير، وذلك لأن إثبات كون المدين معسراً ليس من السهل إثباته، ولذلك تتجه هذه البنوك إلى اعتبار المدين مماطلاً بمجرد تأخره عن السداد إلى أن يثبت المدين أنه معسر.
ومن جانب آخر لا شك في أن هذا الدين قد جرّ منفعة مادية للدائن، وبالتالي يتعارض مع القاعدة الثانية في الفقه الإسلامي القاضية بأن كل قرض جرّ نفعاً مشروطاً فهو ربا، وأصلها حديث ضعيف أخرجه البغوي في حديث العلاء بن مسلم عن عمارة عن علي رضي الله عنه بلفظ: (كل قرض جرّ منفعة فهو ربا)، قال ابن عبدالهادي: (هذا إسناد ساقط، سوار متروك الحديث، ورواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده عن علي أيضاً، وله شاهد ضعيف عند البيهقي بلفظ: (كل قرض جرّ منفعة فهو وجه من وجوه الربا) وروى البيهقي وان ماجه بسندهما عن الهُنائي قال: (سألت أنس بن مالك الرجل منا يقرض أخاه المال فيهدى له؟ قال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أقرض أحدكم قرضاً فأهدى له، أو حمله على الدابة، فلا يركبها، ولا يقبلها إلاّ أن يكون جري بينه
¥