وبينه قبل ذلك) وهذا الحديث فيه ضعف بسبب أن إسناده عتبة بن حميد الضبي المختلف فيه: ضعفه أحمد وأبو حاتم، ووثقه ابن حبان [43].
وأما الآثار عن الصحابة بهذا المعنى فثابتة فقد روى البيهقي بسند صحيح عن سالم بن أبي الجعد قال: (كان لنا جار سمّاك، عليه لرجل خمسين درهماً، فكان يهدي إليه السمك، فأتى ابن عباس، فسأله عن ذلك؟ فقال: قاصّه بما أهدى إليك) [44] وروى كذلك بسند صحيح عن أبي صالح عن ابن عباس قال: (في رجل كان له على رجل عشرون درهماً، فجعل يهدي إليه، وجعل كلما أهدى إليه هدية باعها حتى بلغ ثمنها ثلاثة عشر درهماً؟ فقال ابن عباس: لا تأخذ منه إلاّ سبعة دراهم) [45].
وروي مثل ذلك عن أبي كعب حيث قال زرين حبيش لأُبيّ: (إني أريد الجهاد فأتي العراق فأقرض، قال: إنك بأرضٍ، الربا فيها كثير فاشٍ، فإذا أقرضت رجلاً فأهدى إليك هدية، فخذ قرضك، واردد هديته) [46].
وروى البيهقي بسنده عن فضالة بن عبيد صاحب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل قرض جرّ منفعة فهو وجه ومن وجوه الربا) [47].
وروى البخاري بسنده عن أبي بردة قال: (أتيت المدينة فلقيت عبدالله بن سلام رضي الله عنه فقال: ألا تجيء فأطعمك سويقاً وتمراً، وتدخل في بيت (أي دخل فيه الرسول صلى الله عليه وسلم)؟ ثم قال: إنك في أرض الربا فيها فاش، إذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن أو حمل شعير، أو حمل قت، فإنه ربا) [48] ورواه الطبراني عنه بلفظ " وإن من الربا أن يسلم الرجل السلم، فيهدى له فيقبلها) [49].
ولذلك أجمع السلف الصالح أن كل قرض شرط فيه الزيادة (أي زيادة) فهو حرام، قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المتسسلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك: أن أخذ الزيادة على ذلك ربا) [50] يقول ابن القيم: (وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف … وقد روي عن أبي كعب، وابن عباس، وابن مسعود: أنهم نهوا عن قرض جرّ منفعة [51]، ولأنه عقد إرفاق وقربة فإذا شرط فيه الزيادة أخرجه عن موضوعه، ولا فرق بين الزيادة في القدر أو في الصفة ….) [52].
فهذه النصوص والآثار تدل على أن مشكلة تأخر الديون ليست وليدة عصرنا، بل كانت موجودة، ومع ذلك لم ينقل إلينا أن أحداً أجاز اشتراط الزيادة على الديون بل أجمعوا على جواز ذلك ـ كما سبق ـ.
وكل ما ذكره المجيزون من الفروق والنصوص لا يدل على جواز اشتراط الزيادة الدين كما سبق.
الخلاصة:
والخلاصة أن اشتراط شرط في عقود المرابحات والالتزامات الدينية الآجلة ينص على إلزام المدين بدفع مبلغ محدد، أو نسبة من الدين، أو نسبة حسب أرباح ودائع البنك .. شرط فاسد لا يجوز ارتكابه، ولا يجوز للبنوك الإسلامية أن تقدم عليه، لأنه بهذا العمل تقترب تماماً من البنوك الربوية فالربا الجاهلي المجمع على حرمته فسره العلماء بقريب مما ذكر، بل يمثله، فقد قال قتادة وغيره في تفسير قوله تعالى ( .. وحرم الربا …) [53]: (إن ربا الجاهلية أن يبيع الرجل البيع إلى أجل مسمى فإذا حلّ الأجل ولم يكن عند صاحبه قضاء زاد وأخر) [54] وذكر الجصاص أن العرب لم يكونوا يعرفون البيع بالنقد …فأخبر الله تعالى أن تلك الزيادة المشروطة إنما كانت ربا في المال المعين، لأنه لا عوض لها من جهة المقرض) [55].
ولا خلاف بين الفقهاء في أن اشتراط الزيادة على الدين غير الربوي يجعل الدين ربوياً يقول الجصاص: (ولا خلاف أنه لو كان عليه ألف درهم فقال له: أجلني وأزيدك فيها مائة درهم لا يجوز، لأن المائة عوض عن الأجل) [56] وقد نقل الإجماع على ذلك غير واحد [57]، ونقل ابن عبدالبر عن مالك عن زيد أسلم أنه قال: (كان الربا في الجاهلية: أن يكون للرجل الحق إلى أجل، فإذا حل الأجل، قال: أتقضي أم تربي؟ فإن قضى أخذ، وإلاّ زاده في حقه، وأخر عنه في الأجل) [58] ثم ذكر ابن عبدالبر أن المعنى الجامع الذي حرم لأجله الربا هو أن يكون بازاء الأمد الزائد بدل وعوض يزداده الذي يزيد في الأجل ..... ) [59].
¥