واحدة ثم يتمضمض ثلاثاً ويستنشق ثلاثاً من هذه الكف، ولا شك أن استبعادهم
واستصعابهم واستغرابهم لهذا القول وجيه وصحيح، ولذلك نص بعض أهل العلم -رحمهم
الله-على بعد هذه الصورة في المضمضة والاستنشاق، وإذا ثبت أن المضمضة والاستنشاق
يكون كل منهما بالفصل والوصل يكونان بالفصل بينهما والوصل بينهما.
فقد اختلف
العلماء -رحمهم الله -هل الأفضل أن تفصل بين المضمضة و الاستنشاق؟؟ فتتمضمض ثلاثاً
و تستنشق ثلاثاً بست غرفات أم الأفضل أن تجمع بين المضمضة و الاستنشاق ثلاثاً بثلاث
غرفات .. ؟؟
فذهب جمهور العلماء-رحمهم الله- إلى أن الأفضل أن تفصل وهذا
القول هو مذهب الحنفية وبعض أصحاب مالك وقال به أئمة الشافعية على المختار من قولي
الإمام الشافعي، وكذلك قال به الحنابلة كما قرره الإمام ابن قدامة في المغني -رحمة
الله على الجميع- قالوا الأفضل أن تفصل بينهما واستدلوا برواية الصحيح "أنه تمضمض
ثلاثاً واستنشق ثلاثاً بثلاث غرفات" قالوا والمراد بذلك أنه تمضمض ثلاثاً
واستنشق ثلاثاً فتكون لكل واحدة منهما ثلاث غرفات.
واستدلوا بالأحاديث التي
سبقت الإشارة إليها وقالوا من جهة العقل إن الأنف والفم يعتبران بمثابة العضوين
المنفصلين فالأولى أن يجعل لكل واحد منهما ماءً مستقلاً فتكون كف للمضمضة وكف
للاستنشاق.
و أكدوا ذلك بأمرٍ ثالث: فقالوا إن مقصود الشرع أن تنظف
الأنف والفم ولاشك أنك إذا فصلت بين المضمضة والاستنشاق أن ذلك أدعى لنظافة الفم
ولنظافة الأنف فالماء الذي يدخله المتوضئ إلى أنفه وفمه يعتبر ماءً كافياً لنقاء
الموضع أما لو أنه أجمع بينهما فإن الماء يكون قليلاً.
وإذا قل الماء قلت
النظافة والنقاء ومن هنا قالوا الأفضل أن يفصل بينهما ولايصل، أما الذين قالوا
بالوصل وهو رواية عن الإمام مالك، وكذلك قول للإمام الشافعي وقال به بعض أصحاب
الإمام أحمد واختاره عدد من أئمة الحديث-رحمة الله على الجميع- فقد استدلوا بحديث
عبد الله بن زيد بن عاصم- t وعن أبيه- " وفيه أنه لما وصف وضوء النبي- r-" جمع بين المضمضة والاستنشاق من كف واحدة "
.
وكذلك استدلوا بحديث عبد الله بن عباس في صحيح البخاري: أن
النبي- r-" غرف غرفة واحدة فتمضمض واستنشق"
قالوا: فهذا الحديث يدل دلالةً واضحةً على أن الوصل هو هديه -صلوات الله وسلامه
عليه - ولذلك ترجم الإمام البخاري لهذا الحديث باب من تمضمض واستنشق من غرفة واحدة
قالوا وبذلك الأفضل والأكمل أن يجمع بينهما، وأكدوا ذلك بأن مقصود الشرع أن لايسرف
المكلف في الوضوء، ولذلك إذا جمع بينهما حقق مقصود الشرع.
وقد ورد الذم عن
النبي- r- لمن أسرف في الماء في وضوئه،
وفي الحديث عنه عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((يأتي في آخر
الزمان أقوام يعتدون في الدعاء وفي الطهور))، قالوا فذم
الشرع الاعتداء في الطهور، ومن الاعتداء أن يكثر الماء فإذا كان إنقاء الفم والأنف
يحصل من كف واحدة فالأفضل والأكمل لاشك أنه يجمع بينهما لأنه أقرب إلى ماهو أحسن
وأكمل.
والذي يترجح في نظري والعلم عند الله هو القول بالجمع بين المضمضة
والاستنشاق فالأفضل للمتوضيء إذا توضأ أن يجمع بين المضمضة والاستنشاق تأسياً
برسول الله- r- ، ولاشك أن الأحاديث التي استدل
بها أصحاب هذا القول أرجح وأصح، وأما ماورد من الأحاديث الأخر فإنه يدل على الجواز
لا على الكمال والأفضلية.
وأما ما قاله أصحاب القول الأول من كونه إذا فصل بين
المضمضة والاستنشاق أنه أبلغ في النقاء والنظافة التي هي مقصود الشرع، فجوابه أن
النقاء والنظافة إنما تقع بحسن الإلقاء للقذر، وحسن تحريك الماء في الفم إذا تمضمض
، فالإنسان إذا أدخل الماء الكافي إلى فمه وأنفه وطرح القذر فإن هذا يحقق مقصود
الشرع، وأما كثرة الماء وقلته فليست هي المحك، وإنما العبرة بكونه يبالغ في إدارة
الماء ويحسن الاستنثار وطرح الماء من أنفه.
وأما قولهم " إنهما عضوان منفصلان
": فإن هذا الدليل حجة لنا لاعلينا لأن كلا من الفم والأنف يعتبران تابعين
للوجه، والوجه عضو واحد وليس بأعضاء منفصلة، ولذلك نقول إن هذا الدليل يمكن قلبه
لإصحاب القول الثاني فيقال إن الوصل أولى من هذا الوجه، فتلخص أن الأفضل والأكمل
للمكلف أن يجمع بين المضمضة والاستنشاق من كف واحدة، والسنة إذا تمضمض الإنسان
واستنشق أن يبدأ بالمضمضة قبل الاستنشاق، ومن ابتدأ بالاستنشاق قبل المضمضة فإنه
يجزئه، ولكنه قد فاته الأفضل، وفاته الأجر الأكمل لأنه خالف هدي
النبي- r- وهو هدي كمال وليس بهدي إجزاء،
وعلى هذا فإن الأصل أن يقدم المضمضة على الاستنشاق ثم يجعل للمضمضة حظها من الماء،
ويقسم الكف الواحدة بين الأنف والفم على الصورة المعروفة المشهورة