تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال أبو عبدالله البخاري: «وبلغني أن جوامع الكلم أن الله يجمع الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله: في الأمر الواحد والأمرين أو نحو ذلك».

فجوامع الكلم هي القواعد العامة التي تجمع الفروع الكثيرة التي يصعب حصرها، ومن أمثلة ذلك:

نهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الغرر. فإن الصور الداخلة في هذا الحديث لا تكاد تحصر البتة، وهي مستمرة إلى يوم القيامة ...

وهكذا في جميع أحاديثه صلى الله عليه وآله وسلم.

ثم كلام أصحابه من بعده: سيد الكلام؛ فإن علمهم عميق غزير، وكلامهم قليل.

ثم كلما توالت القرون؛ كثر الكلام، وقلّ العلم -كما فصل ذلك أحسن تفصيل: ابن رجب رحمه الله في رسالته الماتعة: «فضل علم السلف على علم الخلف» -.

وفي الكلام العادي: تجري على ألسنة الناس القواعد والضوابط؛ ولذا شغفوا بالأمثال المنثورة والمنظومة وتناقلوها بينهم؛ لأنها بمثابة القواعد الجامعة لكثير من التجارب والحِكم.

وهكذا في العلم؛ فإن القواعد لها شأن عظيم، وضبطها والانطلاق منها: طريق الرسوخ في العلم؛ لأن الشريعة تجري في مساقٍ واحد لمن عقل عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، قال تعالى: ?أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا?.

وقال تعالى: ?كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ?.

وقال تعالى: ?الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيْنًا?.

ومن هذا المنطلق: اهتمّ علماؤنا -أهل الحديث- بالقواعد الجامعة، والتقاسيم النافعة؛ لكي تنضبط فروع الشريعة وتتآلف.

وأَعلمُ علماء الشريعة: أصحابُ محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم -كما في حديث عمران رضي الله عنه-.

ثم حمل هذا العلم مِن كل خلفٍ عدوله؛ ينفون عن دين الله: تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين -كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم-[قال مهنا: سألت أحمد بن حنبل عن هذا الحديث؟ فقال: هو صحيح. (رواه الخلال في العلل). انظر: التقييد والإيضاح ص139].

فمن القواعد التي جرت على ألسنة الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم ما يلي:

1 - قول عمر رضي الله عنه: «إنما مقاطع الحقوق عند الشروط» [علّقه البخاري مجزومًا به، في كتاب النكاح، باب الشروط في النكاح، 5/ 1978، ووصله ابن أبي شيبة في مصنفه، 7/ 524 برقم (22342)].

2 - قول على رضي الله عنه: «من قاسم الربح فلا ضمان عليه» [أخرجه عبد الرزاق في المصنف، 8/ 253].

3 - قول شريح القاضي رحمه الله: «من شرط على نفسه طائعاً غير مكره فهو عليه» [ذكره البخاري في كتاب الشروط، باب ما يجوز من الاشتراط، 2/ 981].

4 - قول إبراهيم النخعي رحمه الله: «كل شرط في بيع؛ فالبيع جائز والشرط باطل» [أخرجه عبد الرزاق في المصنف 8/ 194].

5 - قول إبراهيم النخعي رحمه الله: «كل قرض جر منفعة؛ فلا خير فيه» [أخرجه عبد الرزاق في المصنف 8/ 145].

6 - قول إبراهيم النخعي رحمه الله: «كل أجير مشترك فهو ضامن، إلا خادمك» [أخرجه عبد الرزاق في المصنف، 8/ 217].

7 - قول مجاهد رحمه الله: قلت لعبدالرحمن بن أبي ليلى: حدثني حديثاً تجمع لي فيه أبواب الربا. قال: «لا تأكل شِفَّ شيء ليس عليك ضمانه» [أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، 7/ 525].

وهو في معنى حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: «نهى عن ربح ما لم يضمن».

8 - قول مالك رحمه الله: «إنما يُنظر في البيوع إلى الفعل، لا يُنظر إلى القول» [المدونة، 4/ 127].

9 - قول مالك رحمه الله: «القول قول من يدعي الصحة والحلال» [المدونة، 4/ 45].

وهذه مماثلة لقولنا: «الأصل في العقود: الصحة والإباحة».

10 - قول مالك رحمه الله: «كل شيء أعطيته إلى أجل؛ فَرُدَّ إليك مثله وزيادة؛ فهو ربا» [المدونة، 4/ 25]، ويقصد بذلك المشروط.

11 - قول الشافعي رحمه الله: «الرخص لا يتعدى بها مواضعها» [الأم، 3/ 236].

12 - قول الشافعي رحمه الله: «يجوز في الضرورة ما لا يجوز في غيرها» [الأم، 3/ 168].

13 - قول الشافعي رحمه الله: «كل ما له مثل يُرَدُّ مثله. فإن فات تُرَدُّ قِيمتُه» [الأم، 3/ 241].

14 - قول أحمد رحمه الله: «كل ما جاز فيه البيع: تجوز فيه الهبة والصدقة والرهن» [مسائل أحمد، رواية أبي داود، ص203].

15 - قول أحمد رحمه الله: «الشريكان في الربح: على ما اصطلحا عليه، والوضيعة: على المال» [مسائل أحمد، رواية اسحاق، ص181].

16 - قول أحمد رحمه الله: «كل بيع فاسد: يأخذ القيمة، ويَتَنَزَّه عن الفضل» [مسائل أحمد، رواية اسحاق، ص462].

وغير ذلك كثير عن السلف - رحمهم الله -.

وصدق أبو عبدالرحمن -عبد الله بن مسعود رضي الله عنه- حين قال: «أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم: أَبَرُّ الأمة قلوباً، وأعمقُهم علمًا، وأقلُّهم تكلفًا».

وهل أفسد الفقه -بل الدين كله- إلا التكلف؟!

قال تعالى: ?قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ?.

وصلى الله على نبينا محمد.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير