فأما ظاهر الكتاب فقوله تعالى: " كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ " [البقرة/178]، والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ " ([110] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn110))، ولا نعلم خبراً ثابتاً يجب به استثناء الأب من جملة الآية ([111] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn111)) .
قال ابن عبد البر رحمه الله: " والحجة لمذهب مالك في قتل الأب بابنه: ظاهر قول الله عز وجل " الْحُرُّ بِالْحُرِّ " [البقرة /178]، و" النَّفْسَ بِالنَّفْسِ " [المائدة/45]، ولم يخص أبا من غيره، وقوله عز وجل " وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ " [البقرة/179] " ([112] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn112)) .
الجواب:
قال ابن قدامة رحمه الله: " وَمَا ذَكَرْنَاهُ يَخُصُّ الْعُمُومَاتِ، وَيُفَارِقُ الْأَبُ سَائِرَ النَّاسِ فَإِنَّهُمْ لَوْ قَتَلُوا بِالْحَذْفِ بِالسَّيْفِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ، وَالْأَبُ بِخِلَافِهِ " ([113] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn113)) .
وقال الجصاص رحمه الله: " وَجَمِيعُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الدَّلَائِلِ يَخُصَّ آيَ الْقِصَاصِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَالِد غَيْرُ مُرَادٍ بِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ " ([114] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn114)) .
الدليل الثاني: قوله تعالى " وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ " الْآيَةَ، وقوله تعالى " كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ "، وَهَذَا عَامٌّ فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ ([115] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn115)) .
الدليل الثالث: لِأَنَّهُمَا حُرَّانِ مُسْلِمَانِ مِنْ أَهْلِ الْقِصَاصِ فَوَجَبَ أَنْ يُقْتَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ ([116] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn116)).
وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى: أَنَّهُمَا شَخْصَانِ مُتَكَافِئَانِ فِي الدِّينِ وَالْحُرْمَةِ فَكَانَ الْقِصَاصُ جَارِيًا بَيْنَهُمَا كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ ([117] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn117)) .
الراجح
بعد النظر في كلا القولين، وأدلة كل قول يتبين لنا ـ والعلم عند الله ـ قول الجمهور القائل بأن أَنَّ الْوَالِدَ لَا يُقْتَلُ بِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ، لصحة حديث النبي صلى الله عليه وسلم: " لَا يُقْتَلُ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ "، وهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ، مُسْتَفِيضٌ عِنْدَهُمْ، يَسْتَغْنِي بِشُهْرَتِهِ وَقَبُولِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ عَنْ الْإِسْنَادِ فِيهِ حَتَّى يَكُونَ الْإِسْنَادُ فِي مِثْلِهِ لشُهْرَتِهِ تَكَلُّفًا كما قال ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رحمه الله، فيخص بذلك ظاهر عمومات آيِ الْكِتَابِ وَالْأَخْبَارِ الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ بين المسلمين، قال الكاساني رحمه الله: " إنَّ الْقِصَاصَ شُرِعَ لِتَحْقِيقِ حِكْمَةِ الْحَيَاةِ بِالزَّجْرِ وَالرَّدْعِ، وَالْحَاجَةُ إلَى الزَّجْرِ فِي جَانِبِ الْوَلَدِ لَا فِي جَانِبِ الْوَالِدِ؛ لِأَنَّ الْوَالِدَ يُحِبُّ وَلَدَهُ لِوَلَدِهِ لَا لِنَفْسِهِ بِوُصُولِ النَّفْعِ إلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ، أَوْ يُحِبُّهُ لِحَيَاةِ الذِّكْرِ لِمَا يَحْيَا بِهِ ذِكْرُهُ، وَفِيهِ أَيْضًا: زِيَادَةُ شَفَقَةٍ تَمْنَعُ الْوَالِدَ عَنْ قَتْلِهِ " ([118] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn118)) .
هذا وصلى اللهم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
[/ URL]([1]) " المغني " (8/ 227)، وصح عنه، ويأتي.
¥