ـ[أبو عبد الله التميمي]ــــــــ[17 - 12 - 10, 07:36 م]ـ
.....
الحقبة الثانية
نتج عن تعدد الروايات عن الامام أحمد رحمه الله تعدد الاقوال في المذهب، وهذا نتاج طبعي لان تكأة المذهب قول الامام رحمه الله.
فبرزت الحاجة الى أمرين تلافيا لهذا التعدد، ولان كل رواية قد يخرج عليها روايات وقد وصلت الاقوال في المذهب في مسألة واحدة الى عشرة اقوال وهذا الامر مما تميز به المذهب الحنبلي:
الامر الاول: تقرير القواعد التى تحمل عليها الروايات ويمكن الترجيح بها بين هذه الروايات، فتم تصنيف الروايات الى أقسام:
منها ما هو منسوخ باتفاق (قول رجع عنه).
ومنها ما هو تخصيص لما أطلق في رواية أخرى.
ومنها ما يمكن حمل بعضه على بعض.
ومنها ما هو متعارض فتوجب الترجيح.
وقد ظهرت الحاجة الى تقرير القواعد منذ وقت مبكر و أول من علمته تكلم في هذا الباب هو الامام الخلال رحمه الله حيث اشار في ثنايا كلامه الى بعضها منها مثلا ان رواية الجماعة (الاكثر) هي التى ترجح على رواية الفرد او الاقل.
الامر الثاني: برزت الحاجة الى تقرير القواعد الاصولية والمسائل الفروعية في المذهب.
وسبب نشأة الامر الثاني ان الحقبة الثانية تميزت بظهور مجالس المناظرة بين المذاهب و الفرق، وكان للحنابلة في بغداد اليد الطولى في انكار المحدثات والبدع وكان اول ما يطوق الحنبلي مسألة تقرير الاعتقاد، وقد يكون هذا له تأثير في الزخم الفقهي الذي احتاجه المذهب، فقد تركزت مناظرات العلماء في ذلك الوقت على الجهود في تخليص الاعتقاد من الشوائب وخاصة مع ظهور طوائف المبتدعة مثل الرافضة والاشاعرة وغيرهم.
ومع هذا فقد ندب علماء الحنابلة انفسهم في ذلك الوقت لتقرير قواعد المذهب، والجمع بين الروايات للخلوص باقوال يمكن نسبتها الى المذهب.
وبرز في تلك الحقبة اعظم علما ءالحنابلة في ذلك الوقت (القاضى ابي يعلى) فانشأ كتبه الكثيرة في الفقة والاصول، وشرح كتاب الخرقي شرحا متوسطا، يوجد بعضه في خزانة المدرسة الظاهرية الشهيرة في دمشق، والف كتاب العدة في اصول الفقه (وهو مطبوع).
وظهر دور تلميذه ابي الخطاب وصنف العديد من الكتب منها كتاب الهداية في الفقه، وهو مطبوع، وكتاب التمهيد في الاصول وهو مطبوع في اربعة مجلدات (ط. دار المدني).
وصنف كتاب الانتصار طبع اوله في ثلاث مجلدات كبار (ط. العبيكان) وهو كتاب جليل القدر ويلاحظ في كتب ابي الخطاب النفس الاصولي للبحث وذلك حتى في كتابه الانتصار في المسائل الكبار في نصرة قول الامام احمد في المسألة له ميل الى تقرير المسائل الاصولية.
ويلاحظ على التصنيف في هذه الحقبة، عدم الاكثار من نقل الروايات بالاسانيد وبل احيانا تعزي الى المسائل واحيانا كثيرة لاتعزى، وفي هذه الحقبة برز تقرير الاصول الاعتقادية بالادلة وبسط المناقشة مع المخالف.
و ايضا برزت ظاهرة الاكثار من التصنيف عند الحنابلة وتكاثرت مصنفاتهم في كل الاوجه.
وتتميز هذه الحقبة ايضا بكثرة طبقة المخرجين في المذهب وكثرة التخريج على المذهب. وتتميز باختلاط بعض الحنابلة ببعض المخالفين وتأثرهم بهم وظهور النفس الكلامي عند بعض الحنابلة.
وبرز ابن عقيل رحمه الله تعالى في هذه الحقبة وبرع في المذهب وناقش وقرر وكان من مفاخر المذهب ذكاء وزكاء (لولا ماشاب اعتقاده رحمه الله) وصنف كتبه السائرة كالفنون (طبع منه جزئين) والواضح (طبع كاملا تحقيق التركي في خمس ملجدات)، غير الرسائل الاخرى الصغار التى طبعت له كرسالة الجدل (طبعت قديما بطريق احد المستشرقين) ثم توالت الطبعات التجارية، وحقق في رسالة علمية مؤخرا وطبع.
هذه الحقبة هي في الحقيقة الحقبة الذهبيه للمذهب حيث كان في اكثر درجات انتشاره وقوته العلميه والعمليه. وقد صنف فيها مالم يصنف قبل ولم يصنف بعد من جهة الكثرة والتنوع. وظهرت فيها مدرسة الشام وظهر لها نتاج علمي.
ثم بلى المذهب بما بلى به الفقه الاسلامية وبدا نفس التقليد يسري في جسد الفقه الاسلامي وظهرت التصانيف التى غايتها التحشية والشرح والمقارنة بين الروايات في المذهب وعن الامام.
و المقياس هنا في الضعف مبنى على امور: منها الانتاج العلمي، ومنها التنوع في هذا الانتاج، ومنها نوع الانتاج، و وجود التجديد فيه.
¥