تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[بحث (حقوق الإنسان في الإسلام) د. عبد العزيز الفوزان]

ـ[موقع الملتقى الفقهي]ــــــــ[19 - 12 - 10, 04:42 م]ـ

حقوق الإنسان في الإسلام

د. عبد العزيز بن فوزان الفوزان

الحمد لله الذي هدانا للتي هي أقوم، وفضلنا بهذا الدين على سائر الأمم، وأشهد أن لا إله إلا الله الأعز الأكرم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم. أما بعد:

فقد أجمع العلماء قاطبة على أن المقصد الكلي للشريعة الإسلامية هو تحقيق مصالح العباد في المعاش والمعاد، فما من حكم شرعه الله أمراً كان أو نهياً إلا وهو جالب لمصلحة، أو دارئ لمفسدة، أو جالب ودارئ في آن واحد. وهذه المصالح هي جماع حقوق الإنسان، التي تنحصر على اختلاف مسمياتها، وتنوع مقتضياتها في حفظ المصالح الخمس الكبرى، وهي حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، وحفظ ما يخدمها ويكملها من الحاجيات والتحسينيات، وهذه الضروريات الخمس وما يخدمها ويكملها هي المصالح المقصودة للشارع من تشريع الأحكام، ولا يخرج عنها أي حكم من أحكام الشريعة الإسلامية أمراً كان أو نهياً.

وإذا كان العالم المعاصر يتغنى بحقوق الإنسان وحفظ مصالحه، وقد يخيل لكثير من الناس أنه هذا من مبتدعات العصر ومحاسنه فإن الله تعالى أخبرنا بأنه إنما أرسل الرسل وأنزل الكتب لأجل إسعاد الإنسان وحفظ مصالحه وحماية حقوقه المشروعة، كما قال ربنا سبحانه:} لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْط {[الحديد:25]، فبين أن الغاية من إرسال الرسل وإنزال الكتب هو إقامة القسط والعدل بين الناس، والعدل هو إعطاء كل ذي حق حقه، ووضع كل شيء في موضعه، وبهذا يسعد الناس وتحفظ حقوقهم ومصالحهم، ووصف رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله:} يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِم {[الأعراف:157]، فهو لا يأمر إلا بالمعروف الذي أمر الله به، وتعرفه العقول السليمة والفطر السليمة، ولا ينهى إلا عن المنكر الذي نهى الله عنه وتنكره العقول السلمية والفطر المستقيمة، ولا يحل إلا ما أحله الله من الطيبات النافعات، ولا يحرم إلا ما حرمه الله من الخبائث المضرات.

وأكد ذلك بقوله:} وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِين {[الأنبياء:107] ولو كان في هذه الشريعة الغراء شيء ضد مصلحة الإنسان وحقوقه المشروعة لم تكن رحمة للعالمين، كما بين سبحانه في آيات كثيرة أن هذا الشريعة المباركة قائمة على العدل والقسط، والمصلحة والحكمة، والإحسان والرحمة، فالله تعالى من كمال رحمته بعباده وعظيم فضله عليهم لا يأمرهم إلا بالعدل والحق، والإحسان والبر، ولا ينهاهم عن الظلم والباطل، والفحشاء والمنكر، كما قال عز وجل:} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون {[النحل:90]، وقال:} وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم {[الأنعام:115]، أي: أن كلامه سبحانه كله صدق وحق، وأحكامه كلها عدل وقسط،} وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُون {[المائدة:50].

ولهذا كان أسعد الناس، وأكثرهم أمناً، وأطيبهم حياة، وأهنئهم عيشاً، أكثرهم تمسكاً بدين الله والتزاماً بشرعه، قال الله تعالى:} مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون {[النحل:97]، فضمن لكل من آمن به وعمل صالحاً من الأفراد والمجتمعات أن يحيا حياة طيبة، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بحفظ حقوق هذا الإنسان، وحماية مصالحه، وقال تعالى:} فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون {[البقرة: 38]، وقال تعالى:} فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى {[طه: 123] وقال تعالى:} الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون {[الأنعام: 82]، فمن آمن بالله تعالى واتبع

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير