يحتاج العميل لتسهيلات لشراء سيارة مثلاً فيتقدم إلى المصرف الإسلامي طالباً منحه التسهيلات وبعد أن يتفق مع المصرف على أجل الدين وثمن الأجل الذي يحدد في ضوء سعر الفائدة السائد يبرم معه عقد المرابحة حيث يشتري المصرف السيارة المطلوبة من الوكيل بالنقد ثم يبيعها للعميل بأجل نظير زيادة في مقابل الأجل.
كان في إمكان العميل أن يتقدم للبنك الربوي بطلب التسهيلات بقيمة السيارة فيمنحه البنك الربوي ذلك بعد أن يتفق معه على أجل الدين وثمن الأجل الذي يحدد في ضوء سعر الفائدة السائد فيشتري السيارة التي يطلبها بنفسه مع الوكيل.
وقد لايكون العميل محتاجاً فعلاً السيارة لاقتنائها وإنما يحتاج لسيولة لغرض آخر (كالسفر في الصيف للخارج) فيشتري السيارة مرابحة نسيئة ثم يبيعها بالنقد.
فما الذي يحمل العميل على تفضيل التعامل بهذه الطريقة للحصول على التسهيلات من المصرف الإسلامي وما الذي يحمل المصرف الإسلامي على التعامل بهذه الطريقة لمنح التسهيلات لعميله.
إنه فقط قصد الفرار من صورة الربا.
ولكن لا المصرف الإسلامي ولا العميل يستفيدان من هذه العملية فائدة اقتصادية زائدة عن عملية الإقراض بربا.
مثال آخر: شركة طيران تريد التعاقد على صنع طائرة وتحتاج لتسهيلات لدفع ثمن الطائرة فبعد أن تتفق الشركة مع الصانع على شروط صنع الطائرة ومواصفاتها وأجل تسليمها وبغرض حصولها على التسهيلات بثمن الطائرة يكون أمامها طريقان:
(أ) أن تلجأ إلى البنك الربوي فيمنحها التسهيلات المطلوبة بسعر فائدة يحدد في ضوء سعر الفائدة السائد.
(ب) أو تلجأ إلى المصرف الإسلامي (الذي لن يعنيه الاهتمام بمواصفات صنع الطائرة ولا شروط عقد الاستقطاع ولا حتى ثمنها) وبعد أن تتفق معه على شروط التسهيلات المطلوبة ومنها ثمن التسهيلات الذي يحدد في ضوء سعر الفائدة السائد يدخل المصرف الإسلامي في العملية بصفته مستصنعاً للطائرة، وفي الوقت نفسه يبيعها لشركة الطيران بصفته صانعاً.
ويلجأ الطرفان لهذه الطريقة بغرض الفرار من الربا وليس لغرض آخر لأنه لا المصرف الإسلامي ولا شركة الطيران يستفيدان من هذه العملية فائدة اقتصادية لم يكن أي منهما ليستفيدها لو تم منح التسهيلات بطريق الربا المباشر.
أدوات لإدانة النقود
مثال آخر:
يحتاج العميل الحصول على تسهيلات لشراء بيت قد اختاره لأن مواصفاته تتفق مع حاجته هو شخصياً فيكون أمامه طريقان للحصول على التسهيلات: إما أن يطلبها من البنك الربوي بطريقة الربا المباشر أو يطلبها من المصرف الإسلامي، فيمنحها له عن طريق شراء البنك للبيت المعين الذي اختاره العميل ثم يؤجره للعميل إجارة منتهية بالتمليك.
واضح أنه في كل الأمثلة لم يكن للمصرف الإسلامي في شراء السيارة ثم بيعها للعميل، أو إبرامه لعقد استصناع الطيارة أولاً مع الصانع بصفته مستصنعاً ثم مع العميل بصفته صانعاً، أو شراء البيت ثم تأجيره على العميل لم يكن له في كل هذه العمليات غرض سوى إدانة النقود بأجل في مقابل ثمن الأجل أي أن غرض المصرف الحقيقي أن تكون النقود محلاً للتعامل وليس أداة للتعامل.
أما عمليات الشراء والبيع والاستصناع والتأجير فما هي إلا أدوات لإدانة النقود بمقابل ثمن الأجل، وقد لُجِئَ إليها فقط للفرار من الربا.
معنى ماتقدم أن آلية العمل في المصارف الإسلامية في منح التسهيلات لاتختلف عن آلية العمل في المصارف الربوية في الجوهر ولا في الآثار الاقتصادية لاستخدام الموارد، إنما تختلف في الشكل والصورة، وبما أنها تتم في المصارف الإسلامية بصورة تشهد لها الهيئات الشرعية، بأنها مباحة فأثرها الهام طمأنينة الضمير الْخُلُقِي للمسلم، بعدم ارتكابه للربا في سبيل حصوله في التسهيلات.
يقال عادة في تصوير ضآلة نسبة المعاملات الشرعية المقصودة لذاتها في معاملات المصارف الإسلامية إن المرابحة تستأثر بما بين 40% و 75% من عمليات استخدام الموارد في المصارف الإسلامية وهذا القول غير دقيق.
لأن عقد الاستصناع وعقد التأجير المنتهي بالتمليك لايختلفان عن عقد المرابحة من حيث الغرض وهو إدانة النقود بمقابل للأجل وإنما يختلفان عن العقد المذكور بالشكل والصورة.
¥