والبعض يرد القاعدة تماما كأن أي دليل حتى ولو كان محتملا فإنه يعتبره كالنص في المسالة
ويحقق المناط جازما قاطعا كأنما هو إجماع قطعي يجب العمل به ... وهذا أيضا خطأ ...
والقاعدة تتحدث عن الاحتمال الذي يتطرق إلى دلالة الألفاظ، أما الاستدلال فالمراد به تحقيق المناط،
وتفسير ذلك أن الدليل له معنى، وهذا المعنى يتحقق على أفراد في الواقع، فلو قلت مثلا:
صح في النسائي وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يضع يمينه على يساره في الصلاة،
فجملة (في الصلاة) لها معنى، وهذا المعنى له أفراد في الواقع، فالبعض يقول: هذه الجملة
تعم كل وقت يكون فيه قيام، فمن السنة وضع اليمين على اليسار في الصلاة، لأن الحديث لم يحدد،
وليس هناك احتمال أن يكون المقصود وضعه قبل الركوع فقط، لأن هذا تخصيص بلا مخصص،
فيقول خصمه: قوله: في الصلاة، يحتمل أنه يستحب الوضع قبل الركوع وبعده، ويحتمل أن المقصود
إنه هو وضع اليد قبل الركوع فقط وما دام قد تطرق إليه الاحتمال فسقط به الاستدلال، اي
الاستدلال بالدليل المحتمل لحالتين، في حالة واحدة ... ويرشح هذا عندهم أننا متفقون أن قوله:
في الصلاة، لا يتناول الركوع، فيجيب الأولون بأن الوضع قرينة في صرف هذا الاحتمال عن الركوع
ونحوه، أما الاحتمال في كون الوضع قبل الركوع أو بعده صحيح ولكن يهدر هذا الاحتمال لأنه
ضعيف ...
وبهذا المثال يتضح أن القاعدة سليمة ... أما قاعدة قضايا الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال عند
الشافعي فليست لها علاقة بقاعدتنا محل البحث ...
والأدلة على صحة القاعدة المذكورة كثيرة، منها قوله تعالى: (إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم
إلا تخرصون) وقوله تعالى: (إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس وقد جاءهم من ربهم الهدى)،
وقوله تعالى: (اجتنبوا كثيرا من الظن)، والاحتمالات ظنون لا يجوز أن تبنى عليه الأحكام ...
ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث) وفي حديث الأمر
بصلاة العصر في بني قريظة خير شاهد على ما نحن فيه، فالفريق الذي انتبه إلى مقصد النبي
صلى الله عليه وسلم من الأمر أنه للإسراع قال إن الدليل تطرق إليه احتمال أن يكون المقصود
ليس الصلاة في بني قريظة ولكن المراد الإسراع، وإذا تطرق مثل هذا الاحتمال سقط الاستدلال
بضرورة الصلاة في بني قريظة ... وصلوا في الطريق، فلم يعب الرسول صلى الله عليه وسلم أحدا
من الطائفتين ...
أما بعض مقالات الأخوان والمشايخ في ذم أصول الفقه فلنا إليه عود إن شاء الله ... والله المستعان ...
ـ[الفاضل]ــــــــ[22 - 12 - 03, 08:43 م]ـ
أذكر أن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله استخدمها وأظن في باب التيمم، والله أعلم.
أخي رضا أحمد صمدي
" أما بعض مقالات الأخوان والمشايخ في ذم أصول الفقه فلنا إليه عود إن شاء الله ... والله المستعان ... " بانتظار عودتكم
ـ[ابن عبدالقدوس]ــــــــ[15 - 09 - 04, 02:31 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله الذي لا إله غيره وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده
اللهم اهددنا وسددنا
لأن لقاعدة (الدليل إذا تطرقه الاحتمال بطل به الاستدلال) حالتان
فقد أشكلت على البعض ...
الحالة الأولى: انفراد الدلالة دون معارض
الحالة الثانية: اقتران الدلالة بوجود معارض في دليل آخر
الحالة الأولى
كأن تكون عندنا مسألة منفردة حيث يأتي نص يحتمل الاستدلال لتلك المسألة مع ضرورة"أن ليس ثمة ما يعارض تلك الدلالة من بقية أدلة القرآن والسنة "
فعندئذ لا يؤخذ بقاعدة (الدليل إذا تطرقه الاحتمال بطل به الاستدلال) ....
مثل أي إشارة لأي فائدة في أي نص ولكن بشرط أن تكون تلك الفائدة لا معارض لها من الشريعة
على سبيل المثال حديث "يا أبا عمير ما فعل النغير "رواه البخاري ح6129
فالحديث فيه اشارات كثيرة ذات فوائد لا تحصى
ومنها جواز تكنية الصغير
وليس هناك دليل يعارض تكنية الصغير ...
فعندئذ لا نعمل بقاعدة (الدليل إذا تطرقه الاحتمال بطل به الاستدلال)
بل نأخذ بتلك الدلالة علميا وعمليا
أما الحالة الثانية
التي يكون عندنا فيها "مسألة ما "
فيقترن فيها دليلان ظاهرهما التعارض
فأحدهما ينص على المسألة نصا جازما " المحكم "
والآخر من المتشابهات مما يجعل الاحتمال يتطرق إليه
فوجب اسقاط الاستدلال بذلك الدليل الثاني ليبقى العمل بالمحكم الأول فقط
وعندئذ يصح استخدام قاعدة (الدليل إذا تطرقه الاحتمال بطل به الاستدلال) مع الدليل الثاني
فمثلا مسألة "هل ينظر المؤمنون إلى ربهم في الجنة "
سنجد أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم صريحة في ذلك فهي محكمة
كالحديث الذي عند مسلم حيث قوله صلى الله عليه وسلم:
(إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظرإلى ربهم عز وجل)
ثم كانت هناك أدلة كقوله سبحانه "لاتدركه الأبصار "
فهذا دليل طرقه الاحتمال بأن لا يمكن رؤية الله في الجنة
فالانسان قد يضطرب فيظن أن الدليل قد يدل وقد لا يدل
فعندئذ وجب استخدام قاعدة (الدليل إذا تطرقه الاحتمال بطل به الاستدلال) فنسقط دلالة من دلالات هذا الدليل وهي الدلالة التي تتعارض مع المحكم
ولذا يلحظ الإنسان أن كثيرا من العلماء قديما وحديثا يستخدمون تلك القاعدة فقط
في المتشابهات ذات المعاني العدة لاسقاط وجها من أوجهها لأنه يتعارض مع نص محكم صريح.
[ B] فخلاصة القول:
أن قاعدة (الدليل إذا تطرقه الاحتمال بطل به الاستدلال)
يصح استخدامها مع النصوص المتشابهة
ولا يصح استخدامها مع النصوص المحكمة
ويبقى العلم لله وحده.
¥