وعن أبي يوسف قال ([54]): سمعت أبا حنيفة يقول: إذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الثقات أخذنا به، فإذا جاء عن أصحابه لم نخرج عن أقاويلهم، فإذا جاء عن التابعين زاحمتهم.
قال محمد بن حمدان بن الصباح ([55]):- ( ... وكان إذا وردت عليه مسألة فيها حديث صحيح اتبعه، و إن كان عن الصحابة والتابعين، وإلا قاس وأحسن القياس).
وقال الحسن بن صالح ([56]): كان أبو حنيفة شديد الفحص عن الناسخ من الحديث والمنسوخ فيعمل بالحديث إذا ثبت عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه.
و قد اتضح تمسكه بهذا الأصل في تطبيقاته الفقهية حيث قال ([57]): من رغب عن سيرة علي رضي الله عنه في أهل القبلة فقد خاب وخسر.
وقال ([58]) – أيضاً –: ما ملكت أكثر من أربعة آلاف درهم منذ أكثر من أربعين سنة إلا أخرجته، وإنما أمسكها لقول علي رضي الله عنه: (أربعة آلاف درهم فما دونها نفقة؛ ولولا أني أخاف أن ألجأ إلى هؤلاء ما تركت منها درهماً واحداً)
قال نعيم بن حماد ثنا ابن المبارك قال سمعت أبا حنيفة يقول ([59]):- إذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين. وإذا جاء عن الصحابة نختار من قولهم. وإذا جاء عن التابعين زاحمناهم.
وأما جمهور الحنفية ([60]) فهم على قول إمامهم.
وأما الإمام مالك ([61]) –رحمه الله - فتصرفه في "موطئه " دليل على أنه يرى أن قول الصحابي حجة ([62]).
قال الشاطبي –رحمه الله – في الموافقات ([63]):- (ولما بالغ مالك في هذا المعنى –أي اتخاذ الصحابة قدوة وسيرتهم قبلة – بالنسبة إلى الصحابة أو من اهتدى بهديهم واستن بسنتهم جعله الله تعالى قدوة لغيره في ذلك، فقد كان المعاصرون لمالك يتبعون آثاره ويقتدون بأفعاله، ببركة اتباعه لمن أثنى الله ورسوله عليهم وجعلهم قدوة).
قال العلامة الفقيه حسن بن محمد المشاط المالكي في كتابه (الجواهر الثمينة في بيان أدلة عالم المدينة) ([64]): وهذا هو المشهور عن مالك.
وأما الإمام الشافعي –رحمه الله – فمنصوص قوله قديماً وحديثاً هو أن قول الصحابي حجة ([65]).
فقد قال رحمه الله في كتابه الأم ([66]) –و هو من الكتب الجديدة -:-ما كان الكتاب أو السنة موجودين، فالعذر على من سمعهما مقطوع إلا بإتباعهما. فإن لم يكن ذلك صرنا إلى أقاويل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو واحد منهم. ثم كان قول الأئمة:- أبي بكر أو عمر أو عثمان - رضي الله عنهم - إذا صرنا فيه إلى التقليد، أحب إلينا، وذلك إذا لم نجد دلالة في الاختلاف تدل على أقرب الاختلاف من الكتاب والسنة، فنتبع القول الذي معه الدلالة؛ لأن قول الإمام مشهور بأنه يلزمه الناس، ومن لزم قوله الناس كان أشهر ممن يفتي الرجل أو النفر، وقد يأخذ بفتياه ويدعها، وأكثر المفتين يفتون الخاصة في بيوتهم ومجالسهم، ولا يعتني العامة بما قالوا عنايتهم بما قال الإمام، وقد وجدنا الأئمة ينتدبون، فيسألون عن العلم من الكتاب والسنة فيما أرادوا و أن يقولوا فيه، ويقولون، فيخبرون بخلاف قولهم، فيقبلون من المخبر، ولا يستنكفون عن أن يرجعوا لتقواهم الله، وفضلهم في حالاتهم، فإذا لم يوجد عن الأئمة، فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدين في موضع الأمانة، أخذنا بقولهم، وكان اتباعهم أولى بنا من اتباع من بعدهم.
ثم قال:- والعلم طبقات.
الأولى:- الكتاب والسنة، إذا ثبتت السنة.
الثانية:- الإجماع فيما ليس فيه كتاب ولا سنة
الثالثة:- أن يقول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نعلم له مخالفاً منهم.
الرابعة:- اختلاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم.
الخامسة:- القياس على بعض هذه الطبقات) انتهى كلامه ([67]).
قال ابن القيم ([68]) رحمه الله تعالى:- (هذا كله كلامه في الجديد.
ثم قال: قال البيهقي ([69]) - بعد أن ذكر الكلام السابق، وفي الرسالة القديمة للشافعي بعد ذكر الصحابة وتعظيمهم - قال:- وهم فوقنا في كل علمٍ واجتهادٍ وورعٍ وعقلٍ أمر استدرك فيه علم أو استنبط وآراؤهم لنا أجمل و أولى بنا من رأينا ومن أدركنا ممن نرضى أو حكى لنا عنه ببلدنا صاروا فيما لم يعلموا فيه سنة إلى قولهم إن اجتمعوا أو قول بعضهم إن تفرقوا. وكذا نقول ولم نخرج من أقوالهم كلهم.
¥