ومن المحال أن يختلف هذا ومن بعده – أي من لم يعاصره - في مسألة ويكون الصواب فيها مع المتأخر دونه؛ فإن ذلك يستلزم أن يكون ذلك الغير هو المُحدَثُ بالنسبة إلى هذا الحكم دون أمير المؤمنين رضي الله عنه. وهذا وإن أمكن في أقرانه من الصحابة فإنه لا يخلو عصرهم من الحق. إما على لسان عمر، وإما على لسان غيره منهم. وإنما المحال أن يفتي أمير المؤمنين المُحدث بفتوى أو يحكم بحكم ولا يقول أحد من الصحابة غيره ويكون خطأ ثم يوفق له من بعدهم فيصيب الحق ويخطئه الصحابة.
12 - حديث عقبة بن عامر حيث قال:-سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:- (لو كان بعدي نبي لكان عمر - وفي لفظ - لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر) ([121]).
قال الترمذي ([122]):- حديث حسن.
ومن المحال أن يختلف من هذا شأنه ومن بعده من المتأخرين في حكم من أحكام الدين ويكون حظ عمر منه الخطأ وحظ ذلك المتأخر منه الصواب.
13 - قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود:- (اقرأ عليَّ) قال:- أقرأ وعليك أنزل. قال:- (إني أحب أن أسمعه من غيري) فافتتح سورة النساء حتى إذا بلغ {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً} فاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكف عبد الله بن مسعود. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكلم فحمد الله وأثنى عليه في أول كلامه وأثنى على الله وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم وشهد شهادة الحق وقال:- (رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً ورضيت لكم ما رضي لكم ابن أم عبد) ([123]).
ومن قال ليس قوله بحجة وإذا خالفه غيره ممن بعده يجوز أن يكون الصواب في قول المخالف له لم يرض للأمة ما رضيه لهم ابن أم عبد ولا ما رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
14 - ما قاله عبادة بن الصامت وغيره:- (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن نقول بالحق حيث كنا ولا نخاف في الله لومة لائم) ([124]).
ونحن نشهد بالله أنهم وفوا بهذه البيعة وقالوا بالحق وصدعوا به ولم تأخذهم في الله لومة لائم ولم يكتموا شيئاً منه مخافة سوط ولا عصاً ولا أمير ولا وال كما هو معلوم لمن تأمله من هديهم وسيرتهم.
فمن المحال أن يوفق هؤلاء للصواب ويحرمه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
15 - ما ثبت في الصحيح ([125]) من حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رقى المنبر فقال:- (إن عبداً خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله).فبكى أبو بكر. وقال:- بل نفديك بآبائنا وأمهاتنا. فعجبنا لبكائه أن يخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل خير. فكان المخير رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر أعلمنا به.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:- (إن أَمَنَّ الناس علينا في صحبته وذات يده أبو بكر ولو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن أخوة الإسلام ومودته. لا يبقى في المسجد باب إلا سد إلا باب أبى بكر) ([126])
ومن المعلوم أن فوت الصواب في الفتوى لأعلم الأمة برسول الله صلى الله عليه وسلم وظفر فلان وفلان من المتأخرين بهذا من أمحل المحال.
ومن لم يجعل قوله حجة يجوز ذلك. بل يحكم بوقوعه.- والله المستعان -.
16 - حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال:- (بينما أنا نائم إذ أتيت بقدح لبن. فقيل لي:- اشرب فشربت منه حتى إني لأرى الري يجري في أظفاري ثم أعطيت فضلتي عمر. قالوا:- فما أولت ذلك. قال:- العلم) ([127]).
ومن أبعد الأشياء أن يكون الصواب مع من خالفه في فتيا أو حكم لا يعلم أن أحداً من الصحابة خالفه فيه وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الشهادة.
17 - حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه وضع للنبي صلى الله عليه وسلم وضوءاً. فقال:- (من وضع هذا؟ قالوا:- ابن عباس. فقال:- (اللهم فقهه في الدين) ([128]).
¥