تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فأحد الضروب الأربعة قوم حكموا على تلك الكتب بانها محتوية على الكفر وناصرة للإلحاد، دون ان يقفوا على معانيها أو يطالعوها بالقراءة. هذا وهم يتلون قول الله عز وجل، وهم المقصودون به إذ يقول تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم، لإن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا}. (36 الاسراء: 17) وقوله تعالى: {ها أنتم أولاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم} (66 آل عمران 3) وقوله تعالى: {قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين} (64 النمل: 27) فرأينا من الأجر الجزيل العظيم في هذه الطائفة إزالة هذا الباطل من نفوسهم الجائرة الحاكمة قبل التثبيت، القابلة دون علم، القاطعة دون برهان، [4و] ورفع المأثم الكبير عنهم بإيقاعهم هذا الظن الفاسد على قوم برآء ذوي ساحة سالمة وبشرة نقية وأديم أملس مما قرفوهم به. وقد قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الواسطة بيننا وبين الواحد الأول: " من قال لاخيه يا كافر فقد باء بها احدهما " فنحن نرجو من خالقنا أن نكون ممن يضرب لنا في كشف هذه الغمة بنصيب وافر به حدا يوم فقرنا إلى الحسنات وحاجتنا إلى النجاة بأنفسنا مما يقع فيه الآثمون، ييسرنا لسنة حسنة نشارك من تصرف بعدها ما كنا السبب في علمه إباه، دون أجره، دون ان ينقص من أجره شيء، فهكذا وعدنا الخالق الأول على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فهؤلاء ضرب.

والضرب الثاني: قوم يعدون هذه الكتب هذيانا من المنطق وهذرا من القول وبالجملة فاكثر الناس سراع إلى معاداة ما جهلوه وذم ما لم يعلموه، وهو كما قال الصادق عليه السلام: " الناس كأبل مائة لا تجد فيها راحلة " فرأينا أيضاً أن من وجوه البر إفهام من جهل هذا المقدار الذي نصصنا الذي فضله اولا، ولعمري ما ذلك بقليل إذ بالعلم بهذا المعنى ننأى عن البهائم وفهمنا مراد الباري عز وجل في خطابه إيانا.

والضرب الثالث: قوم قرأوا هذه الكتب المذكورة بعقول مدخولة واهواء مؤوفة وبصائر غير سليمة، وقد اشربت قلوبهم حب الاسنخفاف واستلانوا مركب العجز واستوبأوا نقل الشرع وقبلوا قول الجهال فوسموا انفسهم بفهمها، وهم أبعد الناس عنها وأناهم عن درايتها، وكان ما ذكرنا زائدا في تلبيس هذه الكتب ومنفرا عنها فقوي رجاؤها في اننا في بيان ما نبينه منها يكون السبب في هداية من سبقت له الهداية في علم الله عز وجل، فيفوز بالحظ الاعلى ويحوز القسم الاسنى ان شاء الله عز وجل. ولم نجد احدا قبلنا أنتدب لهذا فرجونا ثواب الله عز وجل في ذلك.

والضرب الرابع: قوم نظروا بأذهان صافية وأفكار نقية من الميل وعقول سليمة فاستناروا بها ووقفوا على اغراضها فاهتدوا بمنارها وثبت التوحيد عندهم ببراهين ضرورية لا محيد عنها، وشاهدوا انقسام المخلوقات وتأثير الخالق فيها وتدبيره إياها، ووجدوا هذه الكتب الفاضلة كالفريق الصالح والخدين الناصح والصديق المخلص الذي لا يسلم عند شدة ولا يفتقده صاحبه في ضيق إلا وجده معه. فلم يسلكوا شعبا من شعاب العلوم الا وجدوا منفعة الكتب امامهم ومعهم، ولا طلعوا ثنية من ثنايا المعارف الا أحسوا بفائدتها غير مفارقة لهم، بل ألفوها لهم كل مستغلق، وتليح لهم كل غامض في جميع العلوم، فكانت لهم للصير في، والاشياء التي فيها الخواص لتجلية مخصوصاتها. فلما نظرنا في ذلك وجدنا بعض الآفات الداعية إلى البلايا التي ذكرنا، تعقيد الترجمة فيها وايرادها بالفاظ غير عامية ولا فاشية الاستعمال، وليس كل فهم تصلح له كل عبارة، فتقربنا إلى الله عز وجل بان نورد معاني هذه بالفاظ سهلة سبطة يستوي ان شاء الله في فهمها العامي والخاصي والعالم والجاهل حسب إدراكها وما منحنا خالقنا تبارك وتعالى من القوة والتصرف. وكان السبب الذي حدا من سلف من المترجمين إلى إغماض الألفاظ وتوعيرها وتخشين المسلك نحوها، الشح منهم بالعلم والضن به.

ولقد يقع لنا أن طلاب العلم يومئذ والراغبين فيه كانوا كثيرا ذوي حرص قوي، فأما الآن وقد زهد الناس فيه، إلى ايذاء اهله وذعرهم ومطالبتهم والنيل منهم ولم يقنع بان يترك وجهله، بل صار داعية إليه وناهيا عن العلم بفعله وقوله، وصاروا كما قال حبيب بن أوس الطائي في وصفهم:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير