تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

القطعيَّات إلى محتملات، والمحكمات إلى متشابهات، ويجعلوا الدين كلَّه عجينةً ليِّنةً في أيديهم يشكِّلونها كيف شاءت لهم أهواؤهم، ووسوست إليهم شياطينهم" كما يقول الدكتور القرضاوي.

الشقِّ الثاني: مرتبطٌ بالرخصة والعزيمة.

إشاراتي لك يا أختي في موضوعك "الرخصة" ليست إلا أكثر من تفكيرٍ بصوتٍ عال، وقد يكون بعض ما سأكتب مرتبطاً برسالتك ارتباطاً وثيقا، وقد لا يكون، ولكنَّها تبقى نقاطاً تحتاج إلى النظر من العلماء والمتخصِّصين، وأنت أحدهم أكرمك الله تعالى.

وإشاراتي على قسمين:

القسم الأوَّل: القضايا الفقهيَّة القديمة الجديدة.

القسم الثاني: قضايا معاصرة.

القسم الأوَّل: القضايا الفقهيَّة القديمة الجديدة: وهي القضايا التي ناقشها علماؤنا قديماً وما زالت تلقي بظلالها علينا يوميّا، مثل:

1 - رخصة القصر والجمع في الصلاة، وما التبس فيها من فهم:

- تحقيق مسألة الجمع بدون عذر وحدودها وضوابطها: استناداً إلى قول ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم جمع دون عذر، كما هو معلومٌ معروفٌ عند أهل العلم، وهذا الحديث يأخذ به العديد من الجماعات الإسلاميَّة اليوم ويتوسَّعون فيه.

- الجمع لمن يدرسون في الغرب: حيث قد تضطَّرهم محاضراتهم إلى عدم أداء صلاةٍ ما حتى فوات وقتها، أو لا يوجد مكانٌ مناسبٌ للصلاة أو الوضوء، ما حدود ذلك وما ضوابطه؟

2 - رخصة المسح: هل أحذيتنا وجواربنا اليوم داخلةٌ في الأمر، خصوصاً مع توصيف العلماء للخفِّ والجورب بما يخالف ما هو موجودٌ اليوم؟

3 - رخصة التيمُّم: مع تيسُّر وجود الماء بدرجةٍ كبيرةٍ في كلِّ مكانٍ اليوم، نحتاج إلى نظرٍ في حدود "التيمُّم".

4 - رخصة الفطر:

- رخصة الفطر في الغرب نظراً لاختلاف الأوقات وتداخلها واضطِّرابها وطول فترة الصيام.

– الرأي في من قال بإفطار الطلاَّب في الامتحانات أو حتى لاعبي الكرة.

5 - رخصة خلع الحجاب لمن اضطُّرَّ لذلك: وخاصَّةً في الغرب، كما حدث من منع المسلمات في تركيا من دخول الجامعات بالحجاب، أو من يضطَّرها عملها لخلع الحجاب، ما حدود ذلك وما ضوابطه؟

6 - رخص المعاملات: وهي ما استجدَّ من صورٍ لم تكن موجودةً من قبل، مثل:

- الشراء عن طريق البنوك وعدم تحقيق مبدأ الاستلام والتسليم، وهل هو نوعٌ من الربا لعدم تحقُّق مسألة القبض؟

– فتح الاعتمادات في البنوك لتحقيق المصالح، وما يحيط ذلك من شُبَه، وما يُقبَل منه كرخصةٍ وما لا يُقبَل تحقيقاً لمصلحة الناس.

- القروض التي تقدِّمها بعض الجهات الاجتماعيَّة لبناء بيتٍ أو لعمل مشروع، كبنوك التسليف والادِّخار وصناديق الضمان الاجتماعيِّ وأمثالها، ما حدود ذلك وما ضوابطه؟

7 - رخصة "التلفيق" بين المذاهب: وهي رخصةٌ من نوعٍ جديد، فهل يجوز قبول مبدأ "التلفيق" بين المذاهب الذي كان يرفضه الفقهاء، هل يجوز القبول به اليوم بجواز اتِّباع المرء لمذاهب مختلفةٍ أو لشيوخٍ عدَّةٍ في المسألة الواحدة، نظراً لبعد الناس الشديد اليوم عن تعلُّم الفقه وعلوم الدين؟

القسم الثاني: قضايا معاصرة: وهي ما استجدَّ من رخَصٍ ليس لنا فيها من تراثٍ عند أئمَّتنا، ومنها:

1 - حدود رخَص الإكراه والاضطِّرار في واقعنا المعاصر، كموقف الأقلِّيَّات المسلمة في العديد من الدول، وما يجب أن يظهروه من دينهم وما لا يجب، وما ينبغي التساهل فيه وما لا ينبغي، وما إلى ذلك.

(ملاحظة: موضوع رخَص الأقلِّيَّات عموماً يحتاج إلى رسالةٍ خاصَّةٍ أتمنَّى لو تصدَّى لها أحد الإخوة الباحثين الكرام، نظراً لأهمِّيَّة الموضوع وواقعيَّته وشدَّة تداخله والتباسه).

2 - رخصة الدخول في العمل السياسيّ: كالانتخابات والمجالس والحكومات، وذلك في الدول غير الإسلاميَّة أو الإسلاميَّة التي لا تطبِّق شرع الله تعالى: كدخول المسلمين في أمريكا انتخابات الكونجرس أو الاشتراك في الأحزاب الموجودة هناك، أو ترشيح المسلمين أنفسهم لانتخابات الكنيست الإسرائيليّ، أو دخول الإسلاميِّين الحكومات أو انتخابات المجالس في الدول الإسلاميَّة التي لا تطبِّق شريعة الله تعالى.

هل تُعَدُّ هذه ضرورات؟ وما حدود الضرورات؟ وهل هو رخصةٌ أم لا؟ على ما هو معروفٌ من خلافٍ بين الجماعات والأفراد في أماكن كثيرة.

3 - النظر في مفهوم "مقاصد الشريعة التحسينيَّة": وهل يمكن أن يدخل فيها: الالتزام بقواعد المرور، والحفاظ على البيئة، وقوانين البناء التجميليَّة، وما إلى ذلك؟

أختي الكريمة ميمونة،

هذه بعض الإشارات التي أعلم أنَّ منها ما قد يكون بعيداً بعض الشيء عن رسالتك، ولكنَّها فقط مجرَّد إشاراتٍ ومناراتٍ كما أشرت سابقا، والدور عليك بعد ذلك.

وختاما، يقول الدكتور القرضاوي: "لقد كتبتُ عن حاجة علم الأصول إلى مزيدٍ من التحقيق والتعميق والتطبيق"، ويؤكِّد الإمام الشوكاني في كتابه "إرشاد الفحول" ضرورة التجديد وأنَّه ألَّف في الأصول: "ليكون العالِم على بصيرةٍ في علمه يتَّضح له بها الصواب، ولا يبقى بينه وبين درك الحقِّ الحقيقيِّ بالقبول حجاب، لأنَّ تحرير ما هو الحقُّ هو غاية الطلبات، ونهاية الرغبات، لا سيَّما في مثل هذا الفنِّ الذي رَجَع كثيرٌ من المجتهدين بالرجوع إليه إلى التقليد من حيث لا يشعرون، ووقع غالب المتمسِّكين بالأدلَّة بسببه في الرأي البحت وهم لا يعلمون".

أرجو يا أختي ميمونة أن أكون قد أنرت لك الطريق ولو بعض الشيء، وسامحيني فهذه بضاعتي مزجاة، وما حيلة العاجز؟

وفي انتظار أن أسمع منك، وفَّقك الله تعالى ورعاك، وسيري على بركة الله تعالى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير