تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لكن جنوح الحياة الدينية عامة نحو الانحطاط وفتور الدوافع التي تولد الفقه والعمل في واقع المسلمين أديا الى أن يؤول علم أصول الفقه - الذي شأنه ان يكون هاديا للتفكير - الى معلومات لا تهدي الى فقه ولا تولد فكرا وانما أصبح نظرا مجردا يتطور كما تطور الفقه كله مبالغة في التشعيب والتعقيد بغير طائل. وقد استفاد ذلك العلم فائدة جليلة من العلوم النظرية التي كانت متاحة حتى غلب عليه طابع التجريد والجدل النظري العقيم وتأثر بكل مسائل المنطق الهيليني وبعيوبة كذلك. ومهما يكن الأمر فان الحياة الفقهية قد عمقت الا من بعض الفقهاء المجتهدين الذين جاءوا من بعد، منهم من اتخذ له مذهبا في طريقة الفقه ومنهم من اجتهد على مناهج الاقدمين.

وفي يومنا هذا اصبحت الحاجة الى المنهج الاصولي الذي ينبغي ان تؤسس عليه النهضة الاسلامية حاجة ملحقة. لكن تتعقد علينا المسألة بكون علم الاصول التقليدي الذي نلتمس فيه الهداية لم يعد مناسبا للوفاء بحاجتنا المعاصرة حق الوفاء، لانه مطبوع بأثر الظروف التاريخية التي نشأ فيها بل بطبيعة القضايا الفقهية التي كان يتوجه اليها البحث الفقهي.

الاصول الفقهية بين الحياة الخاصة والعامة

1 - الاصول التفسيرية وفقه التدين الفردي:

ولا شك ان طرائق التفقه وأصوله تتباين سعة وضبطا مناسبة لنوع القضايا الفرعية المطروحة فمن الاحكام الفقهية ما يتصل بالشعائر مثلا وهي العبادات المسونة التي تشعر من حيث أشكالها بعبادة الله لان هذه الاشكال لا تكاد ترد الا في سياق وسيلة العبادة لله كالصلاة والصوم والحج. والمعروف من استقراء الشريعة ان هذه العبادات قد فصلت في أحكامها تفصيلا دقيقا وتتكثف فيها النصوص بدرجة تجعل مجال التقدير والاجتهاد محدودا جدا ولا يتعدى فقه الفقيه ان يجمع النصوص وان يملأ الثغرات المحدودة حتى يصل ما بين نص ونص وليؤلف الصورة الكلية للعبادة وبذلك تصبح القضة الاصولية كلها قضية تفسير للنصوص استعمالا لمفهومات الاصول التفسيرية ونظرا في معاني العام والخاص والتعارض والترجيح ووجوده الدلالة للنصوص وضوحا او خفاء ودلالة النص المباشرة ودلالة الاشارة ومفهوم المخالفة ونحو ذلك. ولئن كان فقهنا التقليدي قد عكف على هذه المسائل عكوفا شديدا فانما ذلك لان الفقهاء ما كانوا يعالجون كثيرا قضايا الحياة العامة وانما كانوا يجلسون مجالس العلم المعهودة، ولذلك كانت الحياة العامة تدور بعيدا عنهم ولا يأتيهم الا المستفتون من أصحاب الشأن الخاص في الحياة، يأتونهم أفذاذا بقضايا فردية في أغلب الامر. فالنمط الاشهر في فقه الفقهاء المجتهدين كان فقه فتاوى فرعية، وقليلا ما كانوا يكتبون الكتب المنهجية النظرية، بل كانت المحررات تدوينا للنظر الفقهي حول قضايا افراد طرحتها لهم ظروف الحياة من حيث هم أفراد. ولذلك اتجه معظم الفقه للمسائل المتعلقة بقضايا الشعائر والزواج والطلاق والآداب حيث تتكثف النصوص ولا تتسع لمجال الكثير من الخلافات الاصولية حول تفسير تلك النصوص.

2 - الاصول الواسعة وفقه التدين العام:

وانكم لتعلمون ان الحياة الاسلامية الجماعية قد انحرفت كثيرا عن مقتضى شرع الاسلام لقضايا الحياة العامة وانحرف معها الفقه. فالفتاوى المتاحة تهدي الفذ كيف يبيع ويشتري اما قضايا السياسة الشرعية الكلية - كيف تدار حياة المجتمع بأسره انتاجا وتوزيعا واستيرادا وتصديرا وعلاجا لغلاء معيشة او خفضا لتكاليفها - هذه مسائل لم يعن بها اولياء الامور ولم يسائلوا عنها الفقاء ليبسطوا فيها الفقه اللازم. ومثل قضايا الاقتصاد العام التي اهملت قضايا الاوضاع السياسية وتدابيرها العملية وكيف تدور الشورى في المجتمع وكيف يتبلور الاجماع وكيف يكون الامر والطاعة والولاية العامة على وجه الاجمال لم يسأل عن ذلك كثيرا لان الحكومة بكل أمورها العامة قد انحرفت عن مقتضى العقيدة والشريعة الاسلامية منذ زمن بعيد وحينما انحرف الواقع ومرق من الدين. فالفقه بالضرورة منحسرا ايضا عن هذا الواقع. ومن ثم فل كسب الفقه في هذا الجانب: جانب الحياة الاسلامية العامة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير