تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

في هذا العلم إلا نموذج يحتذى في التجديد المشروع، الذي يتطلع إليه كل محب لهذا العلم متشوف للإفادة منه، لاسيما في حل المشكلات المعاصرة، وإبراز الحكم الشرعي في المستجدات والمتغيرات والنوازل الحاضرة.

وأما الآخر: فهو التجديد الممنوع الذي يرمي إلى تخطي النصوص، وتجاوز الأحكام والإطاحة بالقطعيات، والنسف للمسلّمات، والتغيير في الأصول والكليات، والطعن في القواعد المحكمات.

وإنك لسامع هذه الأطروحات في هذا العصر تجتاح كثيرًا من الكتب والصحف والمجلات والمنتديات والساحات، لاسيما مع ثورة التقانات وتدفق شبكات المعلومات، وقد استغل كثير ممن في قلوبهم مرض هذا الجو المربد، والماء العكر، فحاولوا الاصطياد فيه طعنًا في هذا الدين، ونيلاً من علمائه، ووقيعة في دعاته وصلحائه، مما زاد الفجوة وعمق الهوة، وترك آثارًا بالغة ونتائج خطرة على المجتمعات الإسلامية، وأسهم في إيجاد سلوكيات خاطئة بين إفراط وتفريط في غياب عن المنهج الصحيح والمسلك النيّر الصريح.

ومع شدة الهجمات وخطورة التحديات فإن ممّا يؤرق الغيور ما يلمسه من الفتور في التصدي لعلاج هذه الظواهر الخطيرة، لذلك أصبح لزامًا على علماء الشريعة وطلاب العلم وشداته، لاسيما المتخصصون في علم أصول الفقه أن يبذلوا جهودهم في العمل على الحد من التردي في هذا الفكر المنحرف، وأن يتصدوا لكل الأطروحات التي تمس دينهم وفقههم، لاسيما أصوله وقواعده معالجين لكل الأدواء والظواهر الخطيرة بالأسلوب العلمي الرصين، والطرح المؤصل الرزين، في بعد عن الأسلوب العاطفي، والتلاسن والتراشق الكلامي الذي يبعد النجعة، ويعمق الشقّة؛ لأن الهدف إقامة الحجّة وبراءة الذمّة.

وانطلاقًا مما أخذ على عواتق طلاب العلم من بيان الحق، والحذر من كتمانه ومشاركةً في الدفاع عن هذا الدين أصوله وفروعه، ورد الأخطار المحدقة به، وحرصًا في تجلية الحق في دعاوى التجديد بين الصحيح منها والمنحرف، وبيان حقيقته، ومجالاته، ومناهجه، والموقف الحق منه على ضوء الكتاب والسنة، وفهم سلف الأمة، ولقلة الأبحاث والكتابات بل ندرة الكتب والرسائل العلمية المتخصصة في هذا المجال أمام السيل الجارف، والبحر الهائج من الأطروحات المثيرة في هذا الموضوع، ولما منّ الله عليّ من التخصص الدقيق في فن الأصول، فقد عزمت بعد استخارة الله - سبحانه - ثم استشارة عدد من أهل العلم والفضل على الإسهام في ذلك بعد تردد طويل في خوض غمار هذه القضية، لعلّي أجد من يكفيني، بل حتى ولو وجدت لكانت القضية - لخطورتها- جديرة أن يتصدى لها أكثر من متخصص، بل لا أبالغ حينما أقول: إنها محتاجة لفريق عمل متخصص، وطرح على مستوى المجامع، والهيئات العلمية الكبيرة، لكن هذه المشاركة غيض من فيض، ومفتاح بداية لأبحاث ودراسات أشمل وأعمق، غير أن هذا ليس غضًا من الأعمال التي سبقت، لكني لم أقف على ما يشفي العليل، ويروي الغليل، في علاج هذه القضية الخطيرة، على منهج السلف الصالح، جمعًا بين الأصالة والمعاصرة، راجيًا أن يسد هذا البحث ثغرة مهمة، ويضيء شمعة في هذا الطريق، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

أهمية الموضوع وأسباب اختياره

1 - إن شرف العلم بشرف المعلوم، وشرف البحث بشرف المبحوث، وهذا البحث يتعلق بعلم أصول الفقه الذي هو الأداة العملية لتحقيق الاجتهاد وبناء المجتهد، وغني عن البيان حاجتنا - لاسيما في زماننا المعاصر - للمجتهدين، فلا غرو أن يكون البحث فيه على غاية الأهمية.

2 - معالجة البحث لدعوة جديرة بالعناية والاهتمام، ألا وهي: الدعوة إلى تجديد أصول الفقه، وتلك الدعوة قد يلتبس فيها الحق بالباطل؛ لذا كان لابد من معالجة شرعية، وتأصيل مؤسس على الأدلة النقلية الصحيحة والعقلية الصريحة لتمييز الحق من الباطل.

3 - حاجة هذا العلم الفعلية إلى التجديد، فلا يمكن رد من ينادي بالتجديد المشروع (المنشود) بل التجديد - وفق الضوابط الشرعية - حاجة ملحة لا محيص عنها.

4 - حال المتصدرين للتجديد، المنادين به، حيث إنهم غير متضلعين بالعلم الشرعي، مما يستدعي أن ينتصب أهل العلم الشرعي - من موقع المسؤولية - لصد تلك الموجة الزاحفة على الثوابت والأصول.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير