فهؤلاء أئمة الدنيا في وقتهم قد احتجوا بأخبار الآحاد في عقائدهم وردودهم على المبتدعة، فهل يصح أن يتواطأ هؤلاء على العمل بالباطل والدعوة إليه والمنافحة عنه؟
من له مسكة من عقل وذرة من إيمان لا يقول إلا: لا.
رابعاً:-قولهم هذا مبني -أيضاً - على أن خبر الواحد قد يكون بخلاف الواقع وهذا غير صحيح لعصمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم من أن تجتمع على ضلالة. وقد سبق بيان ذلك في مبحث إفادة خبر الواحد العلم فليرجع إليه.
الدليل الثاني:- قوله عليه السلام:- (تكثر الأحاديث لكم بعدي فإذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله تعالى فما وافقه فاقبلوه واعلموا أنه مني وما خالفه فردوه واعلموا أني منه بريء).
والجواب عن هذا الدليل بأن يقال:-
أولاً:- هذا الحديث نقده النقاد أهل الحديث والأثر فقالوا: إنه لا يصح عن رسول الله r ، وقد روي بألفاظ مختلفة فها هي محكوماً عليها من قبلهم:-
1 - (سئلت اليهود عن موسى فأكثروا فيه وزادوا ونقصوا حتى كفروا، وسئلت النصارى عن عيسى فأكثروا فيه وزادوا ونقصوا حتى كفروا، وأنه ستفشو عني أحاديث فما أتاكم من حديثي فاقرؤوا كتاب الله واعتبروا فما وافق كتاب الله فأنا قلته ومالم يوافق كتاب الله فلم أقله) ([54]). (عن ابن عمر).
قال السخاوي ([55]): قال الحافظ ابن حجر عنه: إنه جاء من طرق لا تخلو عن مقال.
وقال الهيثمي ([56]): وفيه أبو حاضر عبد الملك بن عبد ربه وهو منكر الحديث.
قال العلامة الألباني ([57]) رحمه الله: ضعيف.
2 - (إذا رويتم – ويروى- إذا حدثتم عني حديثاً فاعرضوه على كتاب الله فإن وافق فاقبلوه وإن خالف فردوه).
قال الصغاني ([58]): موضوع.
3 - (إنكم ستختلفون من بعدي فما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله فما وافقه فعني وما خالفه فليس عني) ([59]). (عن ابن عباس).
4 - (ما من نبي إلا وقد كذب عليه من بعده ألا وسيكذب علي من بعدي كما كذب على من كان قبلي فما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله فما وافقه فهو عني وما خالفه فليس عني) ([60]). (جابر بن زيد).
5 - (إذا جاءكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فخذوه وإن لم يوافقه فردوه) (عن أبي هريرة).
قال الخطابي ([61]): حديث باطل لا أصل له.
وقال يحيى بن معين ([62]): هذا حديث وضعته الزنادقة.
6 - (إذا سمعتم عني حديثاً فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فاقبلوه وإلا فردوه).
قال العجلوني ([63]): هذا الحديث من أوضع الموضوعات ... بل صح خلافه.
7 - (ما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله). (عن أبي هريرة).
قال ابن معين في تاريخه ([64]):- سمعت يحيى يقول: كان يحيى بن آدم يحدث بحديث بن أبي ذئب عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي r . وغير يحيى بن آدم يرسله.
8 - (ما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله فما وافقه فأنا قلته وما خالفه فلم أقله)
قال الشافعي ([65]): ما روى هذا أحد يثبت حديثه في شيء صغر ولا كبر.
9 - (ألا إن رحا الإسلام دائرة قال كيف نصنع يا رسول الله قال أعرضوا حديثي على الكتاب فما وافقه فهو مني وأنا قلته) ([66]). (عن ثوبان).
قال الهيثمي ([67]): وفيه يزيد بن ربيعة وهو متروك منكر الحديث.
10 - (إنها تكون بعدي رواة يروون عني الحديث فأعرضوا حديثهم على القرآن فما وافق القرآن فخذوا به وما لم يوافق القرآن فلا تأخذوا به). (عن علي بن أبي طالب).
وقد أعله الدارقطني ([68]) بقوله: هذا وهم، والصواب عن عاصم بن زيد عن علي بن الحسين مرسلاً عن النبي r .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله ([69]): ضعيف.
11 - (ستبلغكم عني أحاديث، فاعرضوها على القرآن، فما وافق القرآن فالزموه، وما خالف القرآن فارفضوه) ([70]) (عن الحسن البصري).
قال العلامة الألباني ([71]) رحمه الله: ضعيف جداً.
وخلاصة القول في هذه الأحاديث ما ذكره ابن عبد البر وغيره من أهل العلم.
قال ابن عبدالبر ([72]): (وهذه الألفاظ لا تصح عنه r عند أهل العلم بصحيح النقل من سقيمه).
وقال الدكتور عبدالغني عبدالخالق في كتابه حجية السنة ([73]): (أما عن أحاديث العرض على كتاب الله: فكلها ضعيفة، لا يصح التمسك بها.
فمنها: ما هو منقطع. ومنها: ما بعض رواته غير ثقة أو مجهول. ومنها: ما جمع بينهما).
¥