أعلم).
المسألة الثانية: في الآثار الفقهية المترتبة على القول بها.
لقد ترتب على القول بهذه القاعدة الموهومة مسائل فقهية كثيرة منها:-
1 - القضاء بالشاهد واليمين.
قال السرخسي ([140]): (لم يعمل بخبر القضاء بالشاهد واليمين لأنه مخالف للسنة المشهورة، وهو قوله عليه السلام:- (البينة على المدعي واليمين على من أنكر) ([141]).
من وجهين:-
أحدهما:- أن في هذا الحديث بيان أن اليمين في جانب المنكر دون المدعي.
والثاني:- أن فيه بيان أنه لا يجمع بين اليمين والبينة فلا تصلح اليمين متممة للبينة بحال).
الجواب: لقد سبق أن بينت أن السنة الصحيحة لا تعارض بينها وبين كتاب الله إذ الجميع وحي من عند الله العليم الحكيم، وذكرت الأدلة على عدم وقوع ذلك. كما نقلت أقوال العلماء بل إجماعهم على عدم وقوع التعارض والتضاد بين الكتاب والسنة الآحادية الصحيحة. وحينئذٍ فلا حاجة بنا للإعادة بل تنظر في موطنها.
وما ذكروه في هذا الوجه من عدم أخذهم بحديث النبي r من أنه قضى باليمين مع الشاهد ما هو إلا إمعان في رد السنة الصحيحة الصريحة عن رسول الله وصحبه الكرام والأئمة الأعلام بقواعد موهومة مزعومة، فالحديث – عندهم – لا محالة مردود - مع كونه متواتراً عند أهل العلم والاختصاص - إما لمخالفته الكتاب –كما سبق - أو لمخالفته السنة المشهورة.
ومن العجيب حقاً قصرهم الشهرة في حديث (البينة على المدعي واليمين على من أنكر) دون حديث القضاء بشاهد مع يمين المدعي، مما يدل دلالة لا لبس فيها أن الشهرة معيارها هو: موافقة الحديث لمذهبهم. فما وافق مذهبهم فهو مشهور ولو كان ضعيفاً وربما موضوعاً وما خالف مذهبهم فهو ضعيف أو خبر آحاد لا تقوم به حجة ولو كان في الصحيحين وبقية كتب السنة كحديث القضاء باليمين مع الشاهد.
أما قولهم إن هذا الحديث بيان أن اليمين في جانب المنكر دون المدعي، فلا يسلم لهم القصر وحصر اليمين في جانب المدعى عليه، -وأيضاً -هذا القول مبني على حجية مفهوم المخالفة، والحنفية لا يقولون بحجيته أبداً.
وقد أجاد ابن القيم رحمه الله في رد هذه الدعوى ولحسن جوابه وقوته فقد قمت بنقله بتمامه.
قال ابن القيم الجوزية ([142]): - (فصل: منزلة السنة من الكتاب)
والذين ردوا هذه المسألة لهم طرق:-
الطريق الأول: أنها خلاف كتاب الله فلا تقبل وقد بين الأئمة كالشافعي وأحمد وأبي عبيد وغيرهم أن كتاب الله لا يخالفها بوجه وإنها لموافقة لكتاب الله وأنكر الإمام أحمد والشافعي على من رد أحاديث رسول الله r لزعمه أنها تخالف ظاهر القرآن وللإمام أحمد في ذلك كتاب مفرد سماه كتاب طاعة الرسول
والذي يجب على كل مسلم اعتقاده أنه ليس في سنن رسول الله r الصحيحة سنة واحدة تخالف كتاب الله بل السنن مع كتاب الله على ثلاث منازل:-
المنزلة الأولى:- سنة موافقة شاهدة بنفس ما شهد به الكتاب المنزل.
المنزلة الثانية:- سنة تفسر الكتاب وتبين مراد الله منه وتقيد مطلقه.
المنزلة الثالثة:- سنة متضمنة لحكم سكت عنه الكتاب فتبينه بياناً مبتدأً.
ولا يجوز رد واحدة من هذه الأقسام الثلاثة
وليس للسنة مع كتاب الله منزلة رابعة.
الطريق الثاني:- أن اليمين إنما شرعت في جانب المدعى عليه فلا تشرع في جانب المدعي.
قالوا: ويدل على ذلك قوله r : ( البينة على من ادعى و اليمين على من أنكر) فجعل اليمين من جانب المنكر.
وهذه الطريقة ضعيفة جداً من وجوه:-
أحدها:- أن أحاديث القضاء بالشاهدين واليمين أصح وأصرح وأشهر وهذا الحديث لم يروه أحد من أهل الكتب الستة.
الثاني:- أنه لو قاومها في الصحة والشهرة لوجب تقديمها عليه لخصوصها وعمومه.
¥