تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الثالث:- أن اليمين إنما كانت في جانب المدعى عليه حيث لم يترجح جانب المدعي بشيء غير الدعوى فيكون جانب المدعى عليه أولى باليمين لقوته بأصل براءة الذمة فكان هو أقوى المدعيين باستصحاب الأصل فكانت اليمين من جهته فإذا ترجح المدعي بلوث أو نكول أو شاهد كان أولى باليمين لقوة جانبه بذلك فاليمين مشروعة في جانب أقوى المتداعيين فأيهما قوي جانبه شرعت اليمين في حقه بقوته وتأكيده ولهذا لما قوي جانب المدعين باللوث شرعت الأيمان في جانبهم ولما قوي جانب المدعي بنكول المدعى عليه ردت اليمين عليه كما حكم به الصحابة، وصوبه الإمام أحمد وقال: ما هو ببعيد يحلف ويأخذ. ولما قوي جانب المدعى عليه بالبراءة الأصلية كانت اليمين في حقه وكذلك الأمناء كالمودع والمستأجر والوكيل والوصي القول قولهم ويحلفون لقوة جانبهم بالأيمان فهذه قاعدة الشريعة المستمرة

فإذا أقام المدعي شاهداً واحداً قوي جانبه فترجح على جانب المدعى عليه الذي ليس معه إلا مجرد استصحاب الأصل وهو دليل ضعيف يدفع بكل دليل يخالفه ولهذا يدفع بالنكول واليمين المردودة واللوث والقرائن الظاهرة فدفع بقول الشاهد الواحد وقويت شهادته بيمين المدعي فأي قياس أحسن من هذا وأوضح مع موافقته للنصوص والآثار التي لا تدفع) انتهى كلامه.

2 - بيع الرطب بالتمر:-

قال السرخسي ([143]): (لم يعمل أبو حنيفة بخبر سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه - في بيع الرطب بالتمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال: (أينتقص إذا جف) قالوا: نعم.قال:- (فلا إذاً)، لأنه مخالف للسنة المشهورة وهو قوله عليه السلام: (التمر بالتمر مثل بمثل) ([144]).

من وجهين:-

أحدهما:- أن فيها اشتراط المماثلة في الكيل مطلقاً لجواز العقد. فالتقييد باشتراط المماثلة في أعدل الأحوال وهو بعد الجفوف يكون زيادة.

والثاني:- أنه جعل فضلاً يظهر بالكيل هو الحرام في السنة المشهورة.

فجعل فضل يظهر عند فوات وصف مرغوب فيه رباً حراماً يكون مخالفاً لذلك الحكم) انتهى كلامه.

قلت: روى سعد بن أبي وقاص قال: تبايع رجلان على عهد رسول الله r بتمر ورطب. فقال النبي r : ( هل ينقص الرطب إذا يبس؟) فقالوا: نعم. فقال النبي r : فلا إذاً).

وهذا الحديث رواه مالك ([145])،وبدالرزاق ([146])،وأحمد ([147])،وأبو داود ([148])، وابن ماجة ([149])، والترمذي ([150])، والنسائي ([151])، وأبو يعلى ([152])، وابن حبان ([153])، والدارقطني ([154]) والحاكم ([155])، والبيهقي ([156]).

وقال الحاكم ([157]): هذا حديث صحيح، والشيخان لم يخرجاه لما خشياه من جهالة زيد أبي عياش.

وأما الحديث الآخر وهو حديث عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله r : ( الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد). فحديث رواه الشيخان ([158]) وغيرهما.

وأما الجواب عما ذكره السرخسي وغيره من وجود تعارض بين الحديثين فنقول: ليس هناك تعارض بين أحاديث رسول الله r متواترها ومشهورها الثابتة وآحادها الصحيحة فالكل من عند الله العليم الحكيم وقد سبق التنبيه على هذا مراراً وتكراراً فليرجع إليه.

وعلى فرض وجود التعارض بينهما فإن أمكن الجمع تعين كأن يقال: إن حديث النهي عن بيع التمر بالتمر إلا مثلاً بمثل عام، وحديث سعد خاص بالنهي عن بيع الرطب بالتمر فيجعل مخصصاً لعموم حديث عبادة بن الصامت السابق فلا يكون حينئذٍ أي تعارض فكأن النبي r قال: يجوز بيع البدلين رَطْبَيْن أو يابسين إذا وجدت المساواة ولا يجوز بيعهما إذا كان أحدهما رَطْبَاً والآخر يابساً ولو وجدت المساواة.

فالرسول r لما سئل عن بيع التمر بالرطب أرشدهم إلى أن العلة في التحريم عدم المماثلة؛ لأن مآلهما عدم المساواة إذا يبس الآخر.

قال ابن القيم ([159]): (كانوا إذا سألوه عن الحكم نبههم على علته وحكمته كما سألوه عن بيع الرطب بالتمر فقال: أينقص الرطب إذا جف قالوا: نعم قال: فلا إذن. ولم يكن يخفى عليه r نقصان الرطب بجفافه ولكن نبههم على علة الحكم).

وقد أوضح ذلك الإمام ابن عبد البر بقوله ([160]): ( ... للعلماء فيه قولان:-

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير