قال ابن بطال: هذا لا حجة فيه لأن سجود المشركين لم يكن على وجه العبادة لله والتعظيم له وإنما كان لما ألقى الشيطان على لسان النبي من ذكر آلهتهم في قوله أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى فقال تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن قد ترتجى فسجدوا لما سمعوا من تعظيم آلهتهم فلما علم النبي ما ألقى الشيطان على لسانه من ذلك أشفق وحزن له فأنزل الله تعالى تأنيسا له وتسلية عما عرض له وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته إلى قوله والله عليم حكيم أي إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته فلا يستنبط من سجود المشركين جواز السجود على غير وضوء لأن المشرك نجس لا يصح له وضوء ولا سجود إلا بعد عقد الإسلام.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه:
فيقال هذا ضعيف فإن القوم إنما سجدوا لما قرأ النبي أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون فاسجدوا لله واعبدوا.
فسجد النبي ومن معه إمتثالا لهذا الأمر وهو السجود لله والمشركون تابعوه في السجود لله.
وما ذكر من التمني إذا كان صحيحا فإنه هو كان سبب موافقتهم له في السجود لله ولهذا لما جرى هذا بلغ المسلمين بالحبشة ذلك فرجع منهم طائفة إلى مكة والمشركون ما كانوا ينكرون عبادة الله وتعظيمه ولكن كانوا يعبدون معه آلهة أخرى كما أخبر الله عنهم بذلك فكان هذا السجود من عبادتهم لله وقد قال سجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس.
مجموع فتاوى شيخ الإسلام.
المجلد الحادي والعشرون – الجزء الأول ص281 - 282
دار عالم الكتب - الرياض
..............
فكلام ابن تيميه رحمه الله هنا أن سجودهم كان لما قرأ الرسول صلى الله عليه وسلم أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون فاسجدوا لله واعبدوا.
ليس لقول الشيطان تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن .... إلى آخر هذا الكلام.
ثم لما تعرض لمسألة التمني في قول ابن بطال (إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ... أي إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته)
قال ابن تيميه: وما ذكر من التمني إذا كان صحيحا ....
بل عنده رحمه الله أن سجود المشركين كان لعبادتهم الله ...
لننظر كلام الشيخ .. سجودهم عنده لم يكن لأنهم سمعوا الغرانيق العلا ..
بل (هذا السجود من عبادتهم لله) ...
ليس إذن للغرانيق.
ثم استدلاله بالحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن أبي معمر قال حدثنا عبد الوارث قال حدثنا أيوب قال عن عكرمة قال عن ابن عباس قال: "سَجَدَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالنَّجم، وسجدَ معهُ المسلمونَ والمشركونَ والجنُّ والإِنس"
...
مرة أخرى .. هذا سبب السجود عند ابن تيمية:
(إنما سجدوا لما قرأ النبي أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون فاسجدوا لله واعبدوا)
ومن ثم فليس في كلام ابن تيميه رحمه الله أن سجودهم كان لتلك القصة بل يصرح أن سجودهم لقراءة النبي للآية التي ختمت بها سورة النجم ... ثم لا يحكم بصحة القول أن التمني هو التلاوة وإلقاء الشيطان في الأمنية كما ذكره ابن بطال وإنما أورده على سبيل الفرض.
... والله تعالى أعلم.
.......
ثم ..
هذا الحديث الصحيح حديث ابن عباس الذي رواه البخاري: "سَجَدَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالنَّجم، وسجدَ معهُ المسلمونَ والمشركونَ والجنُّ والإِنس"
ألا يكفينا في سبب سجود المشركين؟!
كما كفى شيخ الإسلام؟!
ثم سجود الجن ... هل كان أيضاً لأنهم سمعوا الغرانيق العلا؟!!
أم امتثالاً لأمر الله كما قال ابن تيميه ....
ما أشد قرع الآيات وعظم وقعها، وجلال تنزيلها!
..
والله تعالى أعلم.
ما تبقى أذكره بعد ... إن شاء الله تعالى.
....
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[28 - 10 - 08, 03:11 م]ـ
بارك الله فيك على ما تفضلت به
وأما النقل عن العلماء الذي تكلموا في الرواية فهو معلوم إن شاء الله وقد ذكرت ذلك في الموضوع الأصلي والرسائل معروفة في هذا الباب مشهورة.
والحاصل أن هناك خلاف بين العلماء في قبول الروايات أو ردها، فإن كان هناك ترجيح بين أقوالهم ومناقشة لها ودراسة للأسانيد مستقلة فهذا المطلوب حفظك الله.
أما ما ذكرته عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد نص على رواية الغرانيق
وكلامه واضح عند التأمل، وأما النقل الذي ذكرته حفظك الله فلا يعارض قوله السابق، فقد يتردد العالم أو يحتاط أحيانا في موضع ويجزم في مواضع أخرى، فلا يبقى تعارض حينئذ.
وقد ذكر كذلك في موضع آخر ما يلي:
في منهاج السنة النبوية
وما أعلم أن بني إسرائيل قدحوا في نبي من الأنبياء بتوبته في أمر من الأمور وإنما كانوا يقدحون فيهم بالإفتراء عليهم كما كانوا يؤذن موسى عليه السلام وإلا فموسى قد قتل القبطي قبل النبوة وتاب من سؤال الرؤية وغير ذلك بعد النبوة وما أعلم أحدا من بنى إسرائيل قدح فيه بمثل هذا وما جرى في (سورة النجم). من قوله تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتها لترتجى على المشهور عند السلف والخلف من أن ذلك جرى على لسانه ثم نسخه الله وأبطله هو من أعظم المفتريات على قول هؤلاء ولهذا كان كثير من الناس يكذب هذا وإن كان مجوزا عليهم غيره إما قبل وإما بعدها لظنه أن في ذلك خطأ في التبليغ وهو معصوم في التبليغ بالإتفاق والعصمة المتفق عليها أنه لا يقر على خطأ في التبليغ بالإجماع ومن هذا فلم يعلم أحد من المشركين نفر برجوعه عن هذا وقوله إن هذا مما ألقاه الشيطان ولكن روى أنهم نفروا لما رجع إلى ذم آلهتهم بعد ظنهم أنه مدحها فكان رجوعهم لدوامه على ذمها لا لأنه قال شيئا ثم قال إن الشيطان ألقاه وإذا كان هذا لم ينفر فغيره أولى أن لا ينفر
¥