تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بعد هذه الملاحظات التي أبديناها حول اختلاف تعريفات علم الأصول التي وردت في كتبه، نورد بعض هذه التعريفات ولا نستقصيها لتساعد في توضيح النقاط التي أثرناها في الفقرات السابقة، ثم نتوصل إلى تقرير أوضح حد لعلم الأصول. ونرجو أن لا يمل القارئ عرض هذه التعريفات التي سنوردها تباعا من غير تعليق، ثم نعقب عليها بتعليق مجمل يسهّل مقارنتها ويوصل إلى الخلاصة.

أول تعريف نورده هو التعريف الذي أورده أبو الحسين البصري [2] في كتابه المعتمد في الأصول، والذي كان شرحا لكتاب العمد في الأصول للقاضي عبد الجبار بن أحمد [3] بحسبان أن هذا الكتاب هو أقدم الكتب الأصولية بعد رسالة الإمام الشافعي ألف على طريقة الشافعية، وأن الإمام الشافعي في رسالته نثر مفهوم علم الأصول في عبارات مطولة ومشروحة خلال بيان مفهوم هذا العلم؛ فلخص أبو الحسين البصري هذا المفهوم في عبارات محددة، كما لخَّصها من بعده الإمام الغزالي في كتابه المستصغى في تعريف مشابه لتعريف أبي الحسين، كما سنورد ذلك.

يقول أبو الحسين البصري في تعريفه لعلم الأصول: "هو طرق الفقه على طريق الإجمال، وكيفية الاستدلال بها، وما يتبع كيفية الاستدلال بها" [4].

وقد شرح أبو الحسين هذا التعريف الذي أورده بأنه أراد بطرق الفقه على وجه الإجمال: أن هذه الطرق غير معينة؛ مثل أن يتكلم الفقيه عن أن الأمر للوجوب والنهى للتحريم وكذلك إذا تكلم في مطلق الإجماع والقياس. فليس الحديث في هذه الأمور مثل الحديث في أدلة الفقه التفصيلية المعينة؛ مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات" فهذا ينتمي إلى الفقه وليس لأصوله.

وشرح كيفية الاستدلال بأنها: الشروط والمقدمات وترتيبها الذي يستدل معه بالطرق على الفقه- أما ما يتبع كيفية الاستدلال فقد بينه بأنه الحديث عن المجتهدين.

وعند مقارنتنا للتعاريف التي سنوردها سندرك وجوه الاتفاق والاختلاف بينها، ووجوه التقارب.

وبما أننا أوردنا تعريفا قديما من تعريفات العلماء الذين كتبوا في الأصول على طريقة الشافعية، فينبغي أن نورد هنا أيضا تعريفاً من التعريفات القديمة التي أوردها العلماء الذين كتبوا في الأصول على طريقة الحنفية [5]، وسنورد هنا التعريف الذي أورده البزدوي [6]؛ لأن البزدوي من أهم العلماء الذين كتبوا في الأصول على هذه الطريقة، وقد اعتمد عليه المتأخرون من علماء المدرسة الحنفية في كتابتهم في أصول الفقه. على الرغم من أنه كان مسبوقا بعدد من علماء الأحناف الذين كتبوا في الأصول، وكان أسبقهم أبو الحسن الكرخي [7] الذي ألف رسالة في الأصول ذكر فيها الأصول التى عليها مدار فقه الأحناف. ولكنه لم يضع تعريفا محددا لعلم أصول الفقه كما وضعه البزدوي.

يقول البزدوي في تعريف هذا العلم: " اعلم أن أصول الشرع ثلاثة: الكتاب والسنة والإجماع، والأصل الرابع القياس بالمعنى المستنبطة من هذه الأصول" [8].

أما أبو حامد الغزالي الذي اتبع في تعريفه لشيخه إمام الحرمين [9] فيقول: " افهم أن أصول الفقه عبارة عن أدلة هذه الأحكام، وعن معرفة وجوه دلالاتها على الأحكام من حيث الجملة لا من حيث التفصيل" [10].

وقد أورد ابن قدامة نفس هذا التعريف مع الاختصار قليلا حيث قال: "وأصول الفقه أدلته الدالة عليه من حيث الجملة لا من حيث التفصيل" [11].

ونسبة لأن تعريف ابن الهمام يعطينا نموذجا مستقلا متميزا عما أوردنا من تعريفات فيستحسن أن نورده للاستفادة منه في تحليل هذه التعريفات. يقول ابن الهمام: "أصول الفقه هو القواعد التي يتوصل بمعرفتها إلى استنباط الفقه" [12].

ونختم نماذج تعريفات القدماء بما أورده الإمام الشاطبي [13] في كتابه الموافقات من بيان يريد به توضيح معنى أصول الفقه، وهذا البيان الذي أورده يتناسب مع أسلوبه في الكتابة. ومع أنه أطول من التعريفات المعهودة، فسنورده كآخر نموذج من التعريفات القديمة، يقول الإمام الشاطبي:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير