ولما كان الأئمة المجتهدونَ والعلماءُ الأعلامُ قد بذلوا جهوداً مشكورةً في سبيل توضيح السنة، وتفريبها للناس، وبيان الأحكام المستنبطة منها، فإنَّ الدعاةَ إلى السنة لا يَسَعُهُم إلا الاستفادة من علمهم، والاستعانة بآرائهم على فهم الكتاب والسنة، وبذلك يجمعون الخيرَ كلَّه، ويحرزون الصواب جميعه فيما استطاعوا، ويجمعون بين المحافظة على الأصل وهو السنة، وبين تقدير الأئمة قَدْرَهم اللأئقَ بهم، وبذلك مما وصَّى به السلفُ أتباعَهم، فقال عبدالله بن المبارك رضي الله عنه: " ليكن الأمرُ الذي تعتمدون عليه هذا الأثرَ (أي السنة)، وخذوا من الرأي (أي من أقوال العلماء) ما يُفَسِّرُ لكم الحديث ".
ذلك رأيُ دعاة السنة وأَتْباع السلف في المذاهب، وموقفُهم من أئمتها، فهل فيه ما يحمل المنصف على الطعن بهم والتنفير منهم؟ أم ذلك ما ينبغي أن يكون عليه كل مسلم عرف الفرق بين كلام المعصوم وكلام غيره، ثم لم ينس الفرق بين الغاية والوسيلة " (2)؟
* قولك: (وبذلك تعلم أنه ليس هناك فرق كبير بين العالم الفقيه الظاهري وبين العامي العادي ... ) هذا يدل على جهلك المركب، لأنه لا يعجز أي جاهل أن يقول مثل هذا الكلام وتكون دعوى بدعوى، ووصفهم بمثل هذه الترهات جحد لمواهب أئمتهم المشهود لهم بالعلم الجم وقائمة ابن النديم بفهرست كتب داود تجل مقامه في العلم!! فالظاهريون من أصحاب الحديث وهم أكثر أهل المذاهب تقييداً للآثر وطلباً له، لأن فقههم فقه النصوص، قال الإمام الشوكاني: ولا عيب لهم إلا ترك العمل بالآراء الفاسدة التي لم يدل عليها كتاب ولا سنة ولا قياس مقبول، وتلك شكاة ظاهر عنك عارها، نعم قد جمدوا في مسائل كان ينبغي لهم ترك الجمود عليها، ولكنها بالنسبة إلى ما وقع في مذاهب غيرهم من العمل بما لا دليل عليه البتة قليلة جداً.
* قولك (الموسوعات الفقهية والبرامج الحديثية ... ) ما ذكرته ينطبق عليك غاية الانطباق فهذه الوسائل هي التي أتاحت لكل منتفخ ـ وأنت على رأسهم ـ أن يتطاول على الشوامخ، وكم لهذا التعالم من مضار، من أهونها ـ مع فداحته ـ أن يختلط العالم بشبيه العالم، ولا يميز الناس بينهما، فيستفتون شبيه العالم فيقع الخبط والخلط ومما يدلك على صحة ما أقول هجومك على الأحاديث الصحيحة وتضعيفها بل وصل بك الأمر أن تطاولت على أحاديث الصحيحين وغير ذلك من الطامات التي سطرتها في هذا الملتقى الطيب المبارك.
* قولك (فقه الأئمة الأربعة فقه مبتدع) هذا كذب وافتراء ليس هناك ظاهرياً أو سلفياً يقول ذلك، بل إننا نُكبِرُهم ـ شهد الله ـ عظيم الإكبار، ونحبهم شديدَ الحبِّ، ونعدهم من سلفنا الصالح الذين ندعوا المسلمين إلى الاقتداء بهم واتباع طريقتهم، وحسبهم فضلاً وشرفاً أنهم قد أرشدونا إلى المنهج الصحيح الذي يجب أن نسْلَكَه وهو تحكيم الكتاب والسنة في كل خلاف، وأنهم أعلنوا تراجعهم عن أي رأي تظهر فيما بعد مخالفته لهما. هذا بالإضافة إلى ما أثر عنهم من استقامة وورع وإخلاص وتقوى وزهد وأمانة. لقد استفرغوا ـ رحمهم الله ـ كل جهدهم ليصِلوا إلى الحق، ولكن أبى الله عز وجل أن يكمل غيره، ويصحَّ كاملاً إلا كتابه، ويصيب كل أمر أحدٌ سواه، ليكون دليلاً على أنه الأله الحق، وأن ما سواه ومَن سواه مخلقون عاجزون محتاجون إليه سبحانه. هذا هو رأينا في الأئمة المجتهدين وخاصة منهم الأربعة، وهو واضح وحق وصواب إن شاء الله، فمن ادعى علينا غير ما ذكرنا فقد ـ والله ـ كذب علينا وافترى، ونحن نبرأ من كل ما يخالف ذلك، ونتحدى أن يُثْبِتَ أحد غير ذلك.
* الظاهرية نسبة إلى الأخذ بالظاهر وهو حقيقة الرد إلى الله ورسوله، ولهذا فالأخذ بالظاهر والأكتفاء به يجعل صاحبه أنموذجاً فذا للعبودية لله والتحرر عما سواه.
* أما الإجماع فقد تكلمنا فيه في هذا الملتقى من قبل فلا داعي للتكرار، وما قلته عن الإجماع هاهنا دعوى تحتاج إلى الإقامة بالتصور أولا وهو المثال الشارح، ثم بالبرهان ثانياً.
ــــــــــــــــــــــ
(1) ابن حزم خلال ألف عام (1/ 112).
(2) مجلة المسلمون (5/ 284ـ 285) من كلام الإمام الألباني بتصرف.
ـ[محمد رشيد]ــــــــ[17 - 08 - 04, 06:46 م]ـ
أخ مبارك ... أرى حدتك شديدة على من يحاورك ..
هل ظاهر السنة التي تتبعها ـ تزعم ـ تأمرك بهذا؟!
شوف أخي .. في النهاية .. المعروف لا يعرّف .. و الناس لا يستغنون عن فقه سلفهم .. فهم الذين أفهمونا الكتاب و السنة ..
و الحمد لله .. نحن نتبع الكتاب و السنة .. و نلجأ إلى من اتبعوا الكتاب و السنة من قبلنا و تفقهوا فيهما ليفقهونا في الكتاب و السنة ... هذا تحصيل الكلام .. و الواقع واقع لا تستطيع تغيير شيء فيه مهما حاولت ..
و هذا آخر ما يقال مني
ـ[الدرعمى]ــــــــ[17 - 08 - 04, 10:52 م]ـ
على كل فما لم يمكن حسمه حين توافرت كل عوامل الحسم من صدق نية وأصالة رأى ومعرفة والتزام بمنهج الجدل لا يمكن حسمه فى هذا العصر فى غياب تلك العوامل أو معظمها
ولنقتصر على الفرعيات حيث يصبح الخلاف وسيلة للتواصل والثراء الفكرى بدلا من الوصول للطرق المسدودة دعونا أيها الإخوة من طرح موضوعات حول أصل الخلاف أو تحوير أخرى لا توصل إلا إلى طرق مسدودة وقلوب مصدودة.
¥