[الرد على ابن حزم في إنكاره للقياس للشيخ محمد الشنقيطي رحمه الله]
ـ[عبدالرحمن الفقيه.]ــــــــ[20 - 09 - 04, 10:39 م]ـ
يقول الشيخ محمد عطية سالم رحمه الله في آخر مذكرة في أصول الفقه للشيخ الشنقيطي رحمه الله
ملحق لمبحث القياس
كنت قد سجلته من دروس فضيلة الوالد الشيخ محمد الأمين الشنقيطي حفظه الله في المسجد النبوي في رمضان عام 1389هـ في التفسير عند قوله تعالى: (ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك) ناقش فيه فضيلته إثبات القياس على منكريه، وأورد أقسام القياس وأمثلته العديدة مما لا يتسع له محله من الكتاب المقرر ولا يستغني عنه طالب لإيضاحه، وشموله.
وقد نقل عن المسجل وصحح على فضيلته وعرض على سماحة رئيس الجامعة فارتأى حفظه الله طبعه مع هذه المذكرة تعميماً للفائدة.
عطية
يقول الله جل وعلا: " قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين "
تقدم الكلام فيما قبل على قوله تعالى: " ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك ".
وقوله جل وعلا حكاية عن إبليس: قال أنا خير منه. كان الله لما سأل إبليس وهو عالم لأنه جل وعلا أعلم بالموجب الذي بسببه امتنع إبليس من السجود قال له: ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك، وهو أعلم. فأجاب إبليس عليه لعائن الله بما كان يضمره من الكبر وكأنه اعترض على ربه وواجه ربه جل وعلا بأن تكليفه إياه أمر لا ينبغي ولا يصلح وخطأ ربه جل وعلا سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً وجعل ذريعة له ومبرراً في زعمه الباطل لعد السجود قال: أنا خير منه كيف تأمرني أن أسجد لآدم وأنا أفضل من آدم والفاضل ليس من المعقول أن يؤمر بالسجود للمفضول فهذا التكليف ليس واقعاً موقعه. هذا قول اللعين لعنه الله أنا خير منه.
خير تستعمل استعمالين:
(أ) تستعمل اسماً للخير الذي هو ضد الشر وكثيراً ما تستعمل في المال كقوله: إن ترك خيراً أي مالاً.
(ب) وتستعمل صيغة تفضيل وهو المراد هنا فقوله أنا خير منه أصله أنا أخير منه أي أكثر خيراً منه لفضل عنصري على عنصره ولفظه: خير وشر جعلتهما العرب صيغتي تفضيل وحذفت همزتها لكثرة الاستعمال كما قال ابن مالك في الكافية (وغالباً أغناهموا خير وشر، عن قولهم أخير منه واشر).
قال إبليس اللعين أنا خير من آدم والذي هو فاضل والذي هو أكثر فضلاً وخيراً لا ينبغي أن يهضم ويؤمر بالسجود لمن هو دونه وهذا التكليف ليس واقعاً موقعه، ولذا لا أمتثله فتكبر وتجبر وجعل تكليف ربه له واقعاً غير موقعه فباء بالخيبة والخسران نعوذ بالله جل وعلا.
قال إبليس أنا خير من آدم. ثم بين سبب الخيرية وقال: خلقتني من نار يعني أن عنصري اشرف من عنصره لن النار في زعمه أشرف من الطين لأن النار مضيئة نيرة طبيعتها الارتفاع خفيفة غير كثيفة، وأن الطين منسفل كثيف مظلم ليس بمرتفع. هذا قوله في زعمه. وزعم أن الفرع تابع لعنصره في فقاس نفسه على عنصره الذي هو النار وقاس آدم على عنصره الذي هو الطين واستنتج من ذلك أنه خير من آدم لأن عنصره في زعمه خير من عنصره الذي هو السجود لآدم.
وأول من قاس قياساً فاسداً ورد فيه نصوص الله وأوامره ونواهيه هو إبليس اللعين فكل من رد نصوص الشرع الواضحة الصريحة الواضحة بقياسات باطلة عنادا وتكبرا فإمه إبليس لأنه أول من رد النصوص الصريحة بالمقاييس الكاذبة
وقياس إبليس هذا باطل من جهات عديدة:
الأول: منها أنه مخالف لنص أمر رب العالمين لأن الله يقول: أسجدوا لآدم، وكل قياس خالف أمر الله الصريح فهو قياس باطل باطل.
وقد تقرر في علم الأصول أن كل قياس خالف نصاً من كتاب أو سنة فهو باطل ويقدح فبه بالقادح المسمى فساد الاعتبار ومخالفة القياس للنص تسمى فساد الاعتبار وتدل على بطلان القياس فهذا وجه من أوجه بطلانه لأنه مخالف للنص الصريح ولا إلحاق ولا قياس مع وجود النصوص الصريحة.
الثاني: أن إبليس كاذب في أن النار خير من الطين لأن طبيعة الطين الرزانة والتؤدة والاصلاح والجمع تودعه الحبة فيعطيها سنبلة وتودعه النواة فيعطيكها نخلة وإذا نظرت إلى البساتين المغروسة في طين طيب ورايت ما فيها من أنواع الثمار الجنية والروائح والأزهار والثمار عرفت قيمة الطين.
¥