أدين لله تعالى بضرورة إعادة صياغة للفقه، صياغة تجاري زماننا و توجد القناعة أن الفقه كفء لأن يغطي الأحداث زمانا و مكانا، و أنه لا تخرج كبيرة
ولا صغيرة عن حكم الله تعالى
ولهذا الذي ذكرت تعجبني كثيرا فكرة إعادة الصياغة للفروع الفقهية التي قام بها الدكتور / وهبة الزحيلي في كتابه (الفقه الإسلامي وأدلته) وغيره من كتبه، وتعلمون ميزة ما أقول لكم لو علمتم أن هذا الكتاب قد ترجم إلى عدة لغات غير العربية لإقبال المسلمين عليه،
ففي الوقت الذي كتب الله تعالى القبول لهذا الكتاب لدى جماهير المسلمين تراهم لا يعرفون الكثير من تراثنا ومراجعنا الفقهية المتقدمة والتي لولاها ما استطاع الزحيلي أن يؤلف كتابه أو يكتب حرفا واحدا؛ و لكن لما اطلعت على الكتاب علمت تلك الميزة التي سببت له القبول، فهو على أصالته العلمية و اعتماده الأقوال الصحيحة من كل مدرسة فإنه يتمتع بأسلوب عصري في الصياغة رفع به الزحيلي ذلك الحاجز الذي كان عائقا بين مسلمي عصرنا و بين كنوزهم الفقهية
و إعادة الصياغة التي أرومها تحتمل عدة صور، منها وعلى رأسها الاهتمام بالصور الحديثة للمسائل، وإنما قلت صور لاعتقادي الجازم أن كل الحوادث التي تحدث في زماننا لن تخرج بحال من الأحوال عن القواعد العامة والضوابط التي رسخها أئمتنا المتقدمون
نعم .. أدين لله تعالى بضرورة وضع كتب فقهية متأصلة من الناحية العلمية يقال فيها (الجهاد و الحرب في العراق مع أعداء الله النصارى الأمريكان وصفة تعاملنا معها وصفة تعاملنا ـ فقهيا ـ مع مانعينا من الحرب مع إخواننا) و يقال (البنوك وما يجري فيها) و (تغيير العملات) و (المقاطعة للمنتجات الأمريكية و اليهودية) و (الصلاة في الطائرة والباخرة والسيارة) و (بطاقات السحب الشهري) و (بطاقات الائتمان) و (العملات الورقية) و (أحكام الأسهم و السندات) و (أحكام بورصة العملات الورقية) و (أحكام اللحوم الآتية من أوروبا و أمريكا وقد ادعى المصدرون أنها ذبحت على الطريقة الإسلامية) و (حكم المشروبات التي يدخل الكحول في تصنيعها ثم يتطاير فلا يبقى له أثر إلا أنه قد حدث معنى الاستعمال)
أعلم أن كل ما ذكرت ـ وهو فقط أمثلة ـ قد تكلم فيه بعض أهل عصرنا و ألفت فيه المؤلفات، و لكنها في النهاية مؤلفات مستقلة في مسائل معاصرة و أغلبها ـ بل الغالبية العظمى ـ منها بحوث
سطحية لا تلمس فيها التأصيل بفقه المتقدمين و الترسيخ على قواعدهم، لا تلمس فيها ما تلمسه لو قرأت لواحد من المتقدمين وهو يفتي في نوازل عصره كيف يقوم ـ بما آتاه الله تعالى به من العلم و البصيرة ـ بإنزال كل الحوادث على أصول الشرع الحنيف التي بينها و رسخها المتقدمون عليه في كتبهم، فتجد فقه هذا الرجل ملائما لأصول شرعنا يكاد ينطق بأنه من فقه المتقدمين إلا أنه يغطي حدثا معاصرا.
ثم حتى مع وجود و تحقق الأصالة العلمية و المعاصرة في بعض من كتب أهل العلم والفضل المعاصرين الذين اهتموا بفقه النوازل والتأصيل له، فإن هذا لم ينتظم في سلك فقهي واحد ككتاب فقهي متسلسل حسب الأبواب و الفصول، بل ظلت كتب الفقه ـ في نظر كثير من الدارسين ـ تأخذ طابعا شبه انعزاليا، رغم أننا لو نظرنا في أي كتاب فقهي متقدم ونظرنا إلى عصر مؤلفه و ملابسات زمانه، وما كان قبل زمان هذا المصنف لوجدنا أن مصنف الكتاب المتقدم قد راعى في مصنفه من حيث زمانه ما لم نراعه نحن في مصنفاتنا من حيث زماننا
و إنني أقول / حقا ما وجدت ـ على حسب اطلاعي الضيق جدا في حدود مدرستي الحنفية ـ فقيها أمثل و لا أنبه لما ذكرنا من محمد أمين الشهير بابن عابدين، ونظرة واحدة على حاشيته يتبين للقارئ الكريم ما أقول.
كذلك مما ينبغي مراعاته في هذه الصياغة الفقهية التي أرومها أن يسلم لكل متفقه بما مارسه ولمسه، فالفقيه لو كان من رجال الأعمال مثلا يقدم قوله في المعاملات على غيره، إلا في أصول المسائل التي يستوي فيها مع غيره و لا تفتقر إلى المراس، و أما ما تميز فيه بالمراس عن غيره و ابتلي به فيكون قوله ـ غالبا ـ محل عناية و تقديم
¥