تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلت: فهذه الدلائل تبين منزلة قول الجمهور من الدين، وأنه ليس من السهولة الاستخفاف به، أو تجاوزه، أو الإعراض عنه.

أقول: لا يلزم من عدم الاحتجاج بقول الجمهور أن يكون من السهولة الاستخفاف به، أو تجاوزه، أو الإعراض عنه، فهذا شيء، والقول بأنه حجة توجب المصير إليها ويأثم مخالفها شيء آخر.

قلت: لو فرضنا جمهورا هم أقل في العلم والإيمان، إزاء قلة هي أكثر علما وإيمانا، ففي هذه الحال يقدم قول القلة، وهذا في مثل حال الخلفاء الراشدين، المنصوص عليهم بالاتباع: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي. فهؤلاء ليس مثلهم أحد في الأمة، خصوصا الشيخين.

أقول: قول الخلفاء ليس أمراً لازم الاتباع مع أنه جاء النص باتباع قولهم وسنتهم، وهذا ابن عمر يخالف الشيخين في متعة الحج فينكر عليه الناس فيقول لهم قولته المشهورة: (توشك تنزل عليكم حجارة من السماء) فلم نسمع أحداً يحتج عليه بحث النبي صلى الله عليه وسلّم على اتباع سنة الخلفاء الراشدين، فكيف بمن يحتج بقول الجمهور؟! وهذا رد على كلامك الآتي الذي تفرق فيه بين النوازل وغيرها وهو تفريق ر اجع إلى محض التحكم، لأن كون الشيء حجة لا فرق فيه بين نازلة وغير نازلة، القرآن والسنة حجة في كل المسائل وفي كل الأوقات، ومع هذا فمسألة متعة الحج ليست نازلة، وإتمام عثمان في الحج ليست نازلة وقول عائشة في إرضاع الكبير ليست نازلة وفي كل هذه المسائل وغيرها لم يُنقل لنا أن أحداً منهم احتج على الآخر بمخالفة الجمهور، فتأمل.

قلت:إذا تقرر ما سبق، فإن قول الجمهور حجة في الأحوال التالية:

- إذا كان في أقوال الصحابة؛ للتنصيص على فضلهم في الدين، والأمر باتباعهم.

- إذا كان في أقوال التابعين؛ للتنصيص على فضلهم، كونهم من أهل القرون المفضلة.

- إذا كان في أقوال تابعي التابعين؛ للتنصيص على فضلهم، كونهم من أهل القرون الفاضلة.

أقول: أنت الآن تدخل عاملاً آخر لا علاقة له بالكثرة أو القلة، فقول الصحابي مختلف في حجيته لكونه صحابياً ولو كان واحداً فقط مقابل جل التابعين، فأنت تستدل هنا بالنص وتقول للتنصيص على صحبتهم أو للتنصيص على أفضلية التابعين، إذن الدليل في واد والمسألة في واد آخر، فقول الصحابي حجة عند من يحتج به لصحبته.

قلت: فإن كان هذا الجمهور ـ أي جمهور المبتدعة ـ موافقا للسلف، فينضمون إليهم، ويعدون معهم في المسألة التي اتفقوا فيها، وهذا يظهر في مسائل الفقه خصوصا؛ فالممنوع الاستشهاد بقول صاحب بدعة في بدعته، وما عدا ذلك فلا مانع.

أقول: من قال إن الاستشهاد بقول صاحب البدعة في غير بدعته لا مانع منه؟ هل رأيت أئمة أهل السنة يستشهدون بأقوال الشيعة مثلاً ولو كانت موافقة لأهل السنة؟ بل أهل البدع لا عبرة بموافقتهم ولا بمخالفتهم لأن أصل الاتباع مخدوش منخرم عندهم، وأقوالهم الفقهية تتأثر باصولهم البدعية في التأصيل والاستنباط، نعم قد يذكر العالم قول بعض الفرق في معرض الرد عليهم أما الاستشهاد بهم فغير وارد.

قلت: وكون قول الجمهور حجة فإنه يعني: وجوب اتباعهم، وعدم مخالفتهم.

فإذا قيل فما الفرق حينئذ بينه وبين الإجماع؟. فالجواب:

- أن مخالفة الإجماع بدعة وضلالة، وتكون مشاققة للرسول، واتباع لسبيل غير المؤمنين، إذا كانت عن هوى، كما قال تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا}

أقول: قولك إن مخالفة الإجماع بدعة وضلالة (إذا كانت عن هوى) فيه قيد زائد، وهل يتصور أن يخالف شخص الإجماع وهو يعلم به عن غير هوى؟

فهذا القيد لا قيمة له، بل مخالفة الإجماع بدعة ضلالة كما قلت، لكن استدلالك بهذه الآية يحتاج إلى تحرير لأن الطبري ومن معه يستدلون بها على أن مخالفة الواحد والإثنين لا تضر في الإجماع بل هو حجة، ويقولون إن المؤمنين في هذه الآية لا يُراد بها كلهم ضرورة بل جمهورهم وغالبيتهم، وهذا هو عين قولك لكنهم يسمونه إجماعاً لأن النص إنما جاء بحجية الإجماع، ومع هذا فقد خالفهم (الجمهور) وقالوا إن مخالفة الواحد والإثنين تقدح في ثبوت الإجماع، ثم اختلف هؤلاء هل يكون حجة على قولين: الجمهور على أنه ليس بحجة. (يُرجع إلى موضوع الإجماع في كتب الأصول).

قلت: وأن مخالفة قول الجمهور:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير