من اتباع السلف الصالح عدم الخروج عن أقوالهم في مسألة من المسائل، قال مالك (كما في ترتيب المدارك 1/ 193) عن موطئه: فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول الصحابة والتابعين ورأيهم، وقد تكلمت برأيي على الإجتهاد، وعلى ما أدركت عليه أهل العلم ببلدنا ولم أخرج عن جملتهم إلى غيره.
وقال الشافعي كما في المدخل إلى السنن الكبرى (110): إذا أجتمعوا (أي الصحابة) أخذنا باجتماعهم، وإن قال وأحدهم ولم يخالفه أخذنا بقوله، فإن اختلفوا أخذنا بقول بعضهم، ولم نخرج من أقاويلهم كلهم.
وقال أحمد بن حنبل كما في المسودة (276): إذا كان في المسألة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قول مختلف نختار من أقاويلهم ولم نخرج عن أقاويلهم إلى قول غيرهم، وإذا لم يكن فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة قول نختار من أقوال التابعين.
وقال الخطيب في الفقه والمتفقه (1/ 173): إذا اختلف الصحابة في مسألة على قولين وانفرض العصر عليه لم يجز للتابعين أن يتفقوا على أحد القولين، فإن فعلوا ذلك لم يترك خلاف الصحابة، والدليل عليه أن الصحابة أجمعت على جواز الأخذ بكل واحد من القولين وعلى بطلان ما عدا ذلك، فإذا صار التابعون إلى القول بتحريم أحدهما لم يجز ذلك، وكان خرقا للإجماع، وهذا بمثابة لو اختلف الصحابة بمسألة على قولين فإنه لا يجوز للتابعين إحداث قول ثالث لأن اختلافهم على قولين إجماع على إبطال كل قول سواه. انتهى.
القاعدة الرابعة: ليس كل مجتهد مصيب
...........................................
عن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر واحد)).
أخرجه البخاري (7352) ومسلم (1716).
هذا الحديث يدل على أنه ليس كل مجتهد مصيب وأن الحق واحد لا يتعدد، قال الشوكاني في إرشاد الفحول (386): فهذا الحديث يفيدك أن الحق واحد وأن بعض المجتهدين يوافقه فيقال له مصيب ويستحق أجرين، وبعض المجتهدين يخالفه ويقال له مخطيء واستحقاقه الأجر لا يستلزم كونه مصيبا، واسم الخطأ لا يستلزم كونه مصيبا واسم الخطأ عليه لا يستلزم أن لا يكون له أجر، فمن قال كل مجتهد مصيب وجعل الحق متعدداً بتعدد المجتهدين فقد أخطأ وخالف الصواب مخالفة ظاهرة فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل المجتهدين قسمين قسماً مصيباً وقسماً مخطئاً، ولو كان كل واحد مصيباً لم يكن لهذا التقسيم معنى. انتهى.
وقد استدل من ذهب أن كل مجتهد مصيب بحديث ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: ((لا يصلين أحد العصرإلا في بني قريظة)) فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم، لا نصلي حتى نأتيهم، وقال بعضهم: بل نصلي لم يرد منا ذلك، فذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحداً منهم.
أخرجه البخاري (4119) ومسلم (1707).
قال الحافظ في فتح الباري (7/ 409): الاستدلال بهذه القصة على أن كل مجتهد مصيب على الإطلاق ليس بواضح، وإنما فيه ترك تعنيف من بذل وسعه واجتهد فيستفاد منه عدم تأثيمه .. وقد استدل به الجمهور على عدم تأثيم من اجتهد لأنه صلى الله عليه وسلم لم يعنف أحداً من الطائفتين، فلو كان هناك إثم لعنف من أتم.
القاعدة الخامسة: ينكر على من خالف الدليل في أي مسألة
من المسائل
....................
قال ابن تيمية: قولهم (ومسائل الخلاف لا إنكار فيها) ليس بصحيح، فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول بالحكم أو العمل. أما الأول: فإن كان القول يخالف سنة أو إجماع قديماً وجب إنكاره وفاقاً، وإن لم يكن كذلك فإنه ينكر بمعنى بيان ضعفه عند من يقول: المصيب واحد وهم عامة السلف والفقهاء. وأما العمل: إذا كان على خلاف سنة أو إجماع، وجب إنكاره أيضا بحسب درجات الإنكار .. كما ينقض حكم الحاكم إذا خالف سنة وإن كان قد اتبع بعض العلماء، وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع، وللإجتهاد فيها مساغ، فلا ينكر على من عمل بها مجتهداً أو مقلداً، وإنما دخل هذا اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الإجتهاد، كما اعتقد ذلك طوائف من الناس، والصواب الذي عليه الأئمة أن مسائل الإجتهاد مالم يكن فيها دليل يجب
¥