تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما ما لو سأل مفتياً آخر ـ كما يفعل كثير من الناس ـ ليعمل بأيسر الفتويين فهذا عمل خاطئ. إذ الواجب ابتداءً الاكتفاء بفتوى العالم الموثوق بعلمه، فإذا سأل آخر وأفتاه فتوى تخالف الفتوى الأولى فهنا يلزم المستفتي الأخذ بقول وفتوى الأفضل.

وطريق معرفة الأفضل: تواتر الأخبار بفضله، وتقديم المفضول له، وغير ذلك من الأمارات الدالة على الأفضلية.

ويجدر التنبيه إلى أن اتباع الأفضل لا يخضع لمذهب العالم في الفروع، فلا يقدم مفتٍ على مفت لأن الأول حنفي والآخر شافعي أو العكس.

المسألة السادسة [8]:

إذا سأل المستفتي مفتياً فأفتاه، ثم وقعت مثل الواقعة الأولى، فهل يلزم المستفتي أن يسأل المفتي مرة أخرى؟ أم يبني الحكم على الفتوى الأولى. اختلف العلماء هنا، والأقرب والله أعلم، أن لا يلزمه السؤال مرة أخرى لأنه عرف حكم الواقعة عندما سأل أولاً.

المسألة السابعة:

يقول الخطيب البغدادي رحمه الله: " أول ما يلزم المستفتي إذا نزلت به نازلة أن يطلب المفتي؛ ليسأله عن حكم نازلته، فإن لم يكن في محلته، وجب عليه أن يمضي إلى الوضع الذي يجده فيه، فإن لم يكن ببلده، لزمه الرحيل إليه وإن بعدت داره، فقد رحل غير واحد من السلف في مسألة " [9] أ. هـ.

وكلام الخطيب رحمه الله نستطيع تطبيقه في عصرنا هذا ـ حيث توفر في عصرنا ما لم يتوفر فيما مضى ـ فأقول: أول ما يلزم المستفتي إذا نزلت به نازلة أن يطلب المفتي ـ الذي يعلم ويستطيع أن يجيبه بشرع الله ـ ليسأله عن حكم نازلته، فإن لم يكن في المكان الذي يعيش فيه مفت، أو كان هناك من يفتي لكنه يعلم أنه غير أهل للفتوى، أو وجد عالماً لا يدري ما حاله؟ ولا سبيل له لمعرفة حاله؟ لزم المستفتي السعي إلى المفتي، وهذا السعي يكون بطرق منها:

1ـ الاتصال الهاتفي بالمفتي، وسؤاله عن طريق الهاتف، سواء كان هذا المفتي في الدولة التي هو فيها أو في دولة أخرى.

2ـ الاتصال بالمفتي عن طريق الهاتف المصور ـ الفاكس ـ ثم إجابة المفتي عليه وإرساله الإجابة إلى المستفتي.

3ـ الاتصال بالمفتي عن طريق التلفاز، حيث إنه يوجد في بعض القنوات الفضائية مفت يتلقى أسئلة المتصلين مباشرة ويجيب عليها، فهذا يحقق المقصود وأنبه هنا على أنه لابد أن يكون المفتي أهلاً للفتوى، لأن بعض القنوات الفضائية ليس لديها حرص على استضافة من هو أهل للفتوى للإجابة على أسئلة المستفتين المتصلين وإنما مقصودها برنامج يبث فحسب، فمثل هذا لا يحل سؤاله ولا الأخذ بفتواه. أما ما لو وجد المفتي الأهل، فهنا يسوغ سؤاله، وهذا التفصيل سبق في المسألة الثالثة، لكني نبهت عليه هنا لخطورته.

4ـ الاتصال بالمفتي عن طريق المذياع وسؤاله وسماع إجابته.

5ـ الانترنيت، فلو كان لأحد المفتين موقع يتولى من خلاله الإجابة على أسئلة المستفتين، فإن ذلك من طرق السعي إلى المفتي، فإن لم يتمكن المستفتي من الاتصال بالمفتي، لزمه الرحيل إلى المفتي وسؤاله والله أعلم.

المسألة الثامنة:

مقام الإفتاء مقام عظيم، لا يتصدى له إلا من كان أهلاً له، ولقد كان علماء السلف يقدرون هذا المقام قدره، فلا يتحرجون من قول: لا أدري. . وهكذا سار العلماء الربانيون على هذه الجادة، ولقد ظهر في العصور المتأخرة ـ منذ عهد السلطان سليم العثماني تنصيب عالم للفتوى، ولا شك أن هذا العمل فيه خيرٌ كثير للمسلمين، إذا كان المنصب فيه أهلاً لذلك.

وبناءً على ما سبق، أقول:

إذا كان العالم المنصب للفتوى أهلاً لذلك، كما هو الحال في بلادنا بحمد الله وفضله وكثير من الدول الإسلامية فهذا ينطبق عليه القسم الأول من المسألة الثالثة.

أما إذا كان هذا العالم غير أهل لهذا المنصب ـ وقد يقع ذلك ـ أو لم يعلم السائل أهلية هذا المفتي ولا يجد لديه سبيلاً لمعرفة أهليته، فهذا لا يصح استفتاؤه ولا سؤاله ولا يصح الاعتماد على فتواه. وعلى المستفتي سؤال غيره ممن هو أهل ٌ للفتوى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير