)) الثالث:قوله (والخلاف واقع بين الجمهور وأهل الظاهر في جزئية قل من يدركها .. هل يجوز العمل بالظن ونسبته إلى الشرع وإلى الله تعالى وإلزام الناس به أو لا يجوز .. ؟ فهنا يحصل الخلاف لذلك يقول أهل الظاهر لا يجوز الحكم بالظن في فتيا أو قضاء أو حكم بين الناس في كل شيء ولا يحل نسبته إلى الشرع ..
ولم يرد نص من الشريعة بجواز العمل بالظن البتة .. ).
إن كان المراد بالظن الذي يرى الجمهور العمل به هو الظن المتساوي الطرفين فنسبة هذا إليهم غير صحيح فإنه بإجماع العقلاء لا يجوز الترجيح من غير مرجح بل لا يجوز العمل بمثل هذا بإجماع الفقهاء لما دلت عليه نصوص الكتاب من تحريم اتباع الظن قال تعالى {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً} النساء157)) ..
وأقول عفا الله عنك وعنا ..
ليس ذلك قولي أخي العزيز ..
هذا الظن المتساوي الذي ذكرته يقع في نفس المفتي وكذلك يقع بين أهل الفقه ..
فهنا الكلام عن النص الذي دلالته محتملة لأكثر من معنى ..
وهذا لا يجوز العمل به وهو تحكم باتفاق المسلمين ..
ولا إشكال في هذا ..
وإنما الإشكال إذا اختار الفقيه أو المفتي أحد هذه الأقوال بناء على ظنه أنه الأوفق والأسلم والأصح والموافق لمقاصد الشرع التي عنده وليس له في هذا الترجيح دليل يوجب اليقين ..
فكل ما كان حكماً وقولاً في تفسير نص أو خبر أو صرفه أو تخصيصه أو تقييده بناء على الظن والرأي ..
فهذه الأمور وغيرها يجب أن يكون الكلام فيها بناء عن يقين وإلا فلا يحل نسبته إلى الله تعالى ..
واستدلالك في هذه الآية يؤكد قولي السابق في وجوب قطعية الاعتقاد ..
((و قال {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} الأنعام116 و قال {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ} الأنعام148و غيرها من الآيات.)) ..
فقوله تعالى وذمه لهم لأنهم اتبعوا الظن في اعتقادهم ..
بخلافك يا رسولنا لأنك تقطع باعتقادك ..
فإن تبعت ظنهم فيما يعتقدون فهذا ضلال ..
والآية تتكلم عن الاعتقاد ههنا لأن المخالف كافر وليس بمؤمن لنحمل الكلام على العمل ..
وقلت حفظك الله ..
((و إن كان المراد بالظن هنا الغالب أو الراجح فهذا القول صحيح و لا يقال بأنه لا يجوز اتباع هذا الظن بعد استفراغ و أنه يدخل في اتباع الظن المحرم فهذا القول يرده كتاب الله تعالى كما قال تعالى {فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} البقرة230 فهذا الظن عند الزوجين هو و لا شك غالب الظن لا الجزم به لأنه لم يحدث عندهما الجزم لعدم وقوع هذا حقيقة ثم لعدم علم كل واحد منهما بنية الآخر و إنما يحكم كل واحد منهما على الآخر بما ظهر له قرائن خاصة و لا يمنع أن يصل الأمر إلى الجزم و لكن يكفي في هذا الظن الغالب بإقامة حدود الله.
و قال تعالى {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} يوسف42)) ..
أقول بارك الله فيك ..
استدلالك ههنا لجواز العمل بالظن الراجح أو الغالب لا يصح ..
الظن الذي ذكرته ههنا ليس هو ظن في أحكام الله تعالى وشريعته ..
وإنما هو في علاقة بين طرفين ..
إلا أنه يتعلق به الشرع من جهة التطليق ومن جهة ابتداء عقد النكاح مرة أخرى ..
¥