((فكما أنه يجب الإجتهاد و استفراغ الوسع في تحقيق التأصيل كذلك يجب استفراغ الوسع و الإجتهاد عند التنزيل و هذا بإجماع العلماء لذا لا يقال بأنه لا يعنينا صدق الشهود أو كذبهم بل يعنينا هذا و يجب علينا الجزم به فإن لم نستطع الجزم فغلبة الظن تكفي و لكن يقال بأنه بعد الإجتهاد و استفراغ الوسع لا يأثم من أخطا في الحكم و هذا يعم التأصيل و التنزيل فإنه كما أنه يجب الإجتهاد في التأصيل كذلك يجب الإجتهاد في التنزيل و كما أنه يقع الخطأ في التنزيل يقع الخطأ في التأصيل و هذا أمر محسوس مشاهد يدركه كل طالب علم مارس الفقه و أصوله فكم من مسألة من المسائل الكلية اختلف أهل العلم فيها بحسب العلوم و الفهوم و مثل هذا لا يحتاج إلى تمثيل و خطأ أهل العلم في هذه المسائل إنما هو خطأ بسبب اتباع الظن الغالب فيظن الفقيه بحسب اجتهاده و يحكم عليها بما ظهر له ثم يخالفه آخر فيحكم بحكم يناقضه فمن أصاب الحق منهم فقد أصابه إما بجزم أو بغلبة ظن و من أخطأه أخطأه و لا شك بغلبة ظنه لا بجزمه لأنه لو جزم لوصل إلى الحق و من أخطأ الحق لا يقال بأنه جازم لأن الجزم هو إدراك الأمر على حقيقته و هذا لم يدركه.)) ..
أين التأصيل والتنزيل في كلامي وما نقلته بارك الله فيك .. ؟!
هل قولي أن الشهادة قد طلبها الله منا وطلب قبولها ما دام الشاهد عدلاً يعني لك ذلك .. ؟!
فهذا الذي نقطع به وهو هذا الطلب بقبول شهادة العدول ..
فكيف نجتهد في هذا الأمر بارك الله فيك .. ؟!
فكيف إن لم نقطع ونجزم بذلك المطلوب فنكتفي بغلبة الظن .. ؟!
أي غلبة ظن ههنا تريد أن تقبل بها قول الشهود .. ؟!
وليس لنا اجتهاد هنا ونظر إلا بالتحري عن العدالة فقط ..
أما إذا ثبتت تلك العدالة فقد وجب القول بما توجبه تلك الشهادة إن خلت القضية عن معارض لها ..
وقلت بارك الله فيك ..
((ثم إن القطع بالحكم الكلي و هو العمل بشهادة الشاهدين لا يعني ترك الإجتهاد في تحقق العدالة في هؤلاء الشهود و إلا أصبح الحاكم من أهل النار كما في الحديث عن ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «الْقُضَاةُ ثَلاَثَةٌ اثْنَانِ فِى النَّارِ وَوَاحِدٌ فِى الْجَنَّةِ رَجُلٌ عَلِمَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِى الْجَنَّةِ وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِى النَّارِ وَرَجُلٌ جَارَ فِى الْحُكْمِ فَهُوَ فِى النَّارِ ((
فأي اجتهاد ههنا في تنزيل وتأصيل .. !
وكيف تثبت عدالة العدول .. ؟!
أتثبت أيضاً بغلبة الظن .. !
أليس الله تعالى قد بين لنا من هم الشهود العدول في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ..
فعلمنا يقيناً أن الفاسق ليس عدلاً ..
وعلمنا أن من اتصف بكذا وكذا فهو فاسق ..
فكل هذه مبثوثة في النصوص ولا حاجة لأن يجتهد المجتهد فيها إلا في كونها متحققة فيه أو ليست متحققة بالبرهان القاطع وإلا حكم على شخص بالفسق أو عدم العدالة بالظن ..
ولساغ لكل أحد أن يجتهد في عدالة كل أحد ويخرجه من الملة بناء على غلبة الظن ..
فيقول قد رأيت العالم الفلاني أو الرجل الفلاني واقف عند خمّارة أو في خمّارة فهو بغلبة الظن ممن يشرب الخمر .. !
أو رأيته في مكان منعزل مع امرأة متبرجة فبغلبة ظني أنه متخفي عن أعين الناس لأجل منكر .. !
ولساغ أيضاً أن يقول رأيت فلاناً يدخل بنك ربوي فهو فاسق لعمله بالكبيرة أو الصغيرة بحسب رأيه بغلبة الظن .. !
فكيف هذا الاجتهاد الذي تطالب به بارك الله فيك ..
فإن قلت لا نحكم هكذا على عدالة الرجل فلا بد لك أن تبين الطريق الصحيح الذي نقطع به على عدالة فلان أو فسقه ..
وليس ذلك بالظنون وغلبتها بل بما يشهد به المزكون أو غيرهم بأن فلان من أهل العدالة وليس بفاسق ..
وليس التحري عن أمر العدالة أصلاً ..
وإنما التحري لإجل التثبت من فسقه لأن الأصل في المسلمين أنهم عدول ..
وما كان بخلاف العدالة هو الذي يطلب المرء التثبت منه ..
فإن نفاها النافون بيقين فأي اجتهاد تريد ههنا من المفتي أو المجتهد .. ؟!
وقلت بارك الله فيك ..
¥