فكل من تخيّر أحد هذه المعاني فلم يأمرنا الله تعالى بالأخذ منه لهذا المعنى ..
وإنما أمرنا أن نفسر هذه الألفاظ المشتركة بما بينه تعالى لنا في كتابه أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ..
فإن كان اللفظ له معنى واحد في لغتنا فنعمل به وهو القطع في تفسيره ..
وإن كان اللفظ فيه أكثر من معنى في لغتنا فوجب أن ننظر إلى تفسير الشرع له وبيانه أي معنى من هذه المعاني أراد ..
ولبيان كيف تفسير هذه اللفظة ما يلي ..
قد وردت السنة في بيان متى يجوز تطليق المرأة وفيه ابتداء عدتها متى يكون بأن قال فطلقها في طهر غير مجامع فيه وفي رواية طاهراً أو حاملاً ..
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في آخره (تلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء) ..
وبين النص الأول الذي فيه ثلاثة قروء أن المطلوب بقاء المرأة مدة معينة ..
وهي القروء الثلاثة ..
فاحتار من احتار أي معنى من معان اللغة أراد النص .. ؟!
ولكن لما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم متى تبدأ المرأة عدتها وأنها تبدأها بالطهر الغير مجامع فيه أو الذي تكون فيه حاملاً ..
علمنا أن المراد ههنا من لفظ (القرء) أنه الطهر ..
فهذا وجه بيان أي المعاني أراد النص بما نقطع به ..
فالنبي صلى الله عليه وسلم بين الوجه الذي يجوز فيه أن تطلق المرأة ..
وهو كونها طاهراً ..
فعلمنا أن بداية عدتها لا بد أن تكون بالطهر ..
ثم على هذا الخلاف لا تحصل فائدة كبيرة أصلاً لو حققنا قول كل طرف ..
فمن يقول أن القرء هو الحيض فيشترط ثلاث حيضات ..
فقد دخل فيها ثلاثة أطهار بلا شك لمن ميز حقيقة المسألة ..
ومن قال القرء هو الطهر فيقول إن دخلت في الحيضة الثالثة فقد حلت وبرءت من عدتها ..
فكلهم وقع عنده ثلاثة أطهار وكلهم وقع عنده ثلاث حيضات ..
فالقائل بأنه طهر يقول: تكون في الطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم تحيض ..
وهذه ثلاثة مع ثلاثة ..
والقائل بأنه حيض يقول: تحيض، ثم تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر باعتبار من قال بنهاية الحيض تكون طاهراً ..
وهذه ثلاثة أطهار وثلاث حيضات ..
فإن حملنا القرء في الآية على أي معنى لم يتحقق إشكال وجاز نسبته إلى الله تعالى ..
وليس هو تحكم ولا قول بالضدين ..
بل كل التفسيرات يتحقق فيها ما أراده الله تعالى ..
وأما إذا نسب أحدهم ذلك إلى الله تعالى بأن قال هو الطهر أو هو الحيض فلا إشكال فيه لأنه كله وارد في النص نفسه ..
وليس بظن من أحد لأنهم كلهم إما عملوا بلفظ واحد من ألفاظ المشترك كالطهر ..
وهو يعلم بأن بداية العدة تكون بالطهر ..
أو عمل بلفظ واحد وهو الحيض ودخل في اختياره ثلاثة أطهار ..
فكل هذا لا إشكال فيه أصلاً ..
لذلك لو قال أحد أن القرء في العدة هو الطهر والحيض وهذا مراد الله لما كان مخالفاً لأحد في الحقيقة ..
فكلهم يوجب ثلاثة أطهار ..
وكلهم يوجب ثلاث حيضات ..
فالآية تريد إثبات مدة معينة ..
وسواء قلنا الحيض هو القرء فقد ثبت أثنائه ثلاثة أطهار ..
أو قلنا هو الطهر فثبت فيه ثلاث حيضات ..
والنص النبوي يريد بيان وقت الجواز في التطليق أفي الطهر أو في الحيض ..
فلا إشكال في هذه المسألة أصلاً ..
أما ما ذكره الفاضل ..
((و يقع كذلك الخطأ في فهم حديث النبي صلى الله عليه و سلم أخرج البخاري و غيره عن ابن عمر، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لنا لما رجع من الأحزاب: " لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة " فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم: بل نصلي، لم يرد منا ذلك، فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم، فلم يعنف واحدا منهم) ..
قال ابن تميم الظاهري ..
ليس في هذا الحديث جواز أو أمر بالعمل بالظن البتة ..
فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بأن لا يصلي أحدهم العصر إلا في مكان كذا ..
فالصحابة الذين صلوا في وقت العصر ولم يأخروا هذه الصلاة عملوا بالذي يقطعون به ولم يشكوا به البتة ..
وهو الأمر بالصلاة لوقتها الذي ثبت عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم قطعاً ..
فحملوا لفظ الحديث هنا على أنه أراد الإسراع ..
وهذا يبطل القول على الظن ولا يحل نسبة ذلك إلى الشرع ..
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال هنا جملة تامة وقضية محددة ..
¥