بأنه يعمل بالثابت الأول ونحمل الثاني على الإسراع ..
ولكنكم لا تقولون بهذا في مسألتنا هذه التي نازعناكم بها ..
فأنتم تأتون إلى حكم ثبت قطعاً بالنص والدلالة فتصرفون الوجوب أو التحريم إلى معنى آخر وليس معارض هذا القطعي الصحيح إلا ظن منكم ليس له برهان ..
وقال أيضاً ..
((و كذلك من اعتمد أصلا كمن قال بالقياس و أنه مما يحبه الله تعالى ثم عمل بهذا القياس و رجح بعض الأحكام و نسبها لله تعالى لا يكون بهذا آثما و قد يصيب الحق بقياسه هذه و قد يخطئ.)) ..
مسألة كون القياس أصلاً ومصدراً شرعياً ليس هذا مقام بيان عدم صحة ذلك ..
وأما من قال أن القياس يحبه الله تعالى فهذه عجيبة لم يقلها المتقدم من أهل القياس ولا المتأخر ممن وقفت على كلامهم ..
فهذه غريبة عجيبة .. !
فإن ثبت لكم هذا الأصل ببرهان لا شك فيه ثم كان حكمه يعارض حكماً أو نصاً فإنتم تسقطون حكمه أصلاً ولا تجمعون بين حكمه وحكم النص ..
وهو القياس الفاسد الاعتبار ..
وحتى أن الكثير ممن يقول بالقياس فإنهم يبطلون القياس ويقدمون عليه قول الصحابي إذا تعارضا ..
وإن كثيراً منكم إذا ورد قول الصحابي أهمل القياس ..
حتى إمام أهل القياس لا يقول بما قاله الأخ الفاضل .. !
فقد نقل عنه أن مذهبه في الاجتهاد أنه إذا كانت المسألة ورادة عن صحابي فلا يقول برأيه، وإن كانت ورادة عن التابعين فإنه يزاحمهم ..
وقد قال إمام أهل القياس وهو أبو حنيفة ..
من لم يدع القياس في مجلس القضاء لم يفقه ..
وقال أيضاً ..
علمنا هذا رأي فمن جاءنا بخير منه أخذناه ..
وقال الإمام مالك ..
وددت لو ضربت سوطا لكل مسألة قلت فيها بالرأي ..
وقال ربيعة ..
ما كان يضاد النص من الرأي فاضرب به الحائط ..
وهذا ومعناه منقول عن الأئمة ولا ينكره إلا من لم يتكلف النظر في أقوالهم في هذه المسألة ..
ولا نظن ذلك في أخينا الفاضل ..
فأي شرع هذا ننسبه إلى الله تعالى وهو يضرب بالحائط .. ؟!
وأي شرع هذا ويريد المرء أن يضرب فيه بالسياط .. ؟!
وأي شرع هذا ويقول أول من أسس له أن من لم يتركه في مجلس القضاء لم يفقه .. ؟!
وأي شرع هذا يدري القائل به أن هناك ما هو خير منه .. ؟!
وأي شرع هذا الذي يتركونه لأجل قول صاحب .. ؟!
فأي استدلال واحتجاج تحتج به بارك الله فيك .. ؟!
فلو تمهلت لما قلت ما قلته ونسبته إلى سلف الأمة ..
فكل من قال برأيه من الأئمة لم يجعله ملزماً للناس ولم ينسبه إلى الله تعالى إن كان يعلم أنه بناء عن رأي وظن ..
ولو جئت برواية عن صحابي أو تابعي أو عن إمام مشهود له بالإمامة أن ذلك الظن والرأي الذي يقول به شرع الله ويجب إلزام الناس به لكان كلامك صحيحاً لا شك فيه وإنما ننازع بعدها في كون قول من قال حجة أو لا ..
ولن تأت برواية تجعل هذه الظنون شرعاً لله تعالى وتنسبه إليه ..
ووالله لو تأملت كلام الأئمة لعلمت أنهم كيف تحرجوا أن يطلقوا ما قالوه بالرأي أنه شرع الله خوفاً من وقوعهم في ذم الله تعالى لمن قال هذا حلال وهذا حرام ولم يأذن الله تعالى له بذلك ..
فأي إذن تأت به وتنسبه لأئمة السلف بارك الله .. ؟!
أما سمعت قول الصديق ..
أي أرض تقلني وأي سماء تضلني إن قلت في كتاب الله برأيي .. !
أما سمعت قول الإمام أحمد فيما يروى عنه من مسائل الفقه يقول لمسائل أحب كذا ولا أحب كذا ولا يعجبني كذا .. !
أما سمعت أن الإمام مالك وقيل أيضاً أبو حنيفة أنهما منعا أن يحكم الخليفة بمذهبهما .. ؟!
وقال الفاضل ..
((نعم كان بعض السلف يتورع عن نسبة مثل هذه الأقوال لله تعالى لأنه تعارض عنده أن هذا هو الحق الذي يحبه الله تعالى)) ..
قال ابن تميم الظاهري ..
بل كل من شهدنا له بالإمامة والعلم يبرأ أن يتقول على الله تعالى بالظن ..
ويقول هذا رأيي والله بريء منه وكذلك رسوله صلى الله عليه وسلم ..
وهذا هو الحق فيهم والإحسان إليهم لا غيره ..
فلا ننكر إجتهادهم لكن لا نرميهم بما يبرأون منه بلسانهم ..
فلم يلزم الصحابة رضي الله عنهم ولا الأئمة من بعدهم أحداً برأيه ..
ولا قالوا رأينا ههنا شرع الله ودينه وقد ثبت عندهم بالرأي والظن ..
أما ما ينسبونهم فقد يتوهم أحدهم أن ذلك شرع الله فيطلق هذا ..
ثم يتضح للناظر أن قوله خطأ لأن القطع جاء بخلاف قوله فلا يكون ما حكاه هو فعلاً قول الله وشرعه ..
¥