فإن أنكرت هذا فاذكر لي رواية صحيحة عن أحد الصحابة يقول فيها برأيه وينسب ذلك إلى الله ويقول هو شرعه ويلزم الناس به ..
فإن أتيت بذلك ناقشنا هل قول القائل هذا حجة في الشريعة أو لا ..
فما يتورع أحد أن يبين ما هو دين الله تعالى ..
ولو علمت أن التورع معناه الاحتياط لما قلت هذا ..
بل الأئمة يتورعون عن أن ينسبوا لله تعالى قولاً بالظن والرأي ..
فيحتاطون لدينهم من أن يتقولوا على الله تعالى فيقعوا فيما ذمه الله تعالى ..
فترفعوا عن القول على الله ونسبة شيء إليه تعالى إلا حيث قطعوا أنه من الله ..
وكان القفو بغير علم حاضر في ذهنهم، والنهي عن القول بما لم يأذن به الله تعالى من القول أن هذا حلال وذاك حرام حاضر في ذهنهم لذلك احتاطوا من نسبة هذه الأقوال المبنية على الظن أنها شرع الله ودينه ..
ولم يلزموا بها الناس لأنهم لم يقطعوا أنها شرع الله الملزم لكل أحد ..
فلا يتورع أحد من بيان أن ذلك الأمر قول الله أو ليس قوله إن ثبت عنده بما يقطع به ..
بل الورع هو الاحتياط من أن نقول هذا قول الله أو ليس بقوله ما دمنا لم نقطع بذلك ..
وبهذا يبطل أن يتقول أحد على الأئمة أنهما تورعوا فيما يقطعون به ولم ينسبوه إلى الله ..
ويثبت أن ما تورعوا به كان لأجل قطعهم بحقيقة ما اختاروه ..
وإن قيل للفاضل ..
ما هو الرأي الصحيح الذي أمرنا باتباعه .. ؟!
فإن أنصف نفسه صار إلى قولنا ..
فنحن لم نؤمر بالرأي في الدين بحسب عقولنا وما نظنه ..
وإلا ما كان اعتراض علي بن أبي طالب وجه ..
فلو كان الدين بالرأي لكان مسح أسفل الخف أولى من مسح ظاهره ..
فهل يقول الفاضل ..
أن العقل يمنع صحة أن يكون المسح للأسفل أولى من الأعلى في الخف .. ؟!
بل العقل الصحيح يؤيد هذا بلا شك من أحد ..
فكلنا يقول أن مسح الخف الأولى أن يكون للأسفل لأنه يلاقي القذر ..
أما الأعلى فلا يلاقيه إلا نادراً أو يحتمل أن يلاقيه ..
إلا الشرع ورد بخلاف هذا الرأي الصحيح الذي لا ينكره أحد ..
وقال تمسح الأعلى لا الأسفل ..
وكذلك في العبادات وغيرها بلا فرق ..
فأي رأي أمرنا الله تعالى به وأن نقوله في ديننا وننسبه إليه ونلزم الناس به ..
لو كان عندكم معنى واضح معلوم لما اختلف أحد ..
ولكان ذلك الرأي التي ترى أننا أمرنا به ملزماً لكل الناس وكل مجتهد فلا يحل لأحدهم أن يخرج عنه ..
إلا أن الواقع من الفقهاء يخالف هذا ..
ويثبت للناظر المنصف أن الرأي ليس له تعريف محدد عندهم ..
وبعضهم يدخل أمور والبعض الآخر يخرجها ..
وأن الرأي عند كل فريق مما كان بالظن لا دليل يشهد لصحته البتة ..
فإن قالوا النص ورد به قلنا لهم ..
هاتوا برهانكم وأفصحوا عن ذلك النص الذي خفي علينا ..
فقد يفوتنا ما عندكم فنستفيد منكم ..
فكل من تكلم في تفريع الرأي وتقسيمه كان بناء على ظنه ورأيه ..
ورأيه ليس بأولى من رأي غيره ..
فالله عز وجل أمرنا بالرجوع إليه عند التنازح ..
وقد رجعنا نحن ..
فنريد ممن يعلق أن يرجع إلى النص ..
ورجوعنا إلى النص لو كان للظنون لما ارتفع الخلاف في المتنازع فيه ..
ولكان أمر الله تعالى بالرد إليه باطلاً لا معنى له ..
فيقول تعالى ..
إن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ..
فقلنا ..
سمعاً وطاعة ..
فقلنا لمن ينازعنا ..
هات برهان الأمر بالعمل في الدين بناء على الرأي والظن ..
هات برهان جواز نسبة هذه الظنون إلى الله تعالى وأنها شرعه ..
هات برهان جواب ووجوب إلزام الناس بهذه الظنون ..
هذا ما نادينا به ..
وعلى المنادى أن يمتثل لأمر الله تعالى بعد أن ظهر تنازعنا ..
فإن ذكر دليل كل ذلك وكان قوله الصواب والحق رجعنا إلى قوله وبهذا نقسم قسماً براً ..
وإن لم يكن له دليل على هذه الدعاوى التي قدمتها فقد كفانا مؤنة النقاش والرد فيما لا يصح عند المعترض ..
وإذا كنت تقول أن القياس يحبه الله تعالى ..
فكيف تستدل بقول يبطل لك ما تأت به ..
فنقلت أن الإمام أحمد يقول عن الشافعي ..
((يحرم عند عدم الضرورة إليه كما قال الإمام أحمد سألت الشافعي عن القياس فقال لي عند الضرورة)) ..
ثم النقل عن الإمام أحمد بالنص يبطل هذا أيضاً وقد نقل عنه في مسائله ..
((يجتنب المتكلم في الفقه المجمل والقياس)) ..
¥