أما إن كانا يريدان أن يتراجعا وهما على ما كان عليه من شقاق وفعل ما يوجب الشقاق والتطليق فلا يحل لهما ذلك لأنه العمل بما يجزم كل منهما أنه يضر صاحبه به ..
وقد أمرنا في الزواج بأن نحسن إلى بعضنا وأن لا نضار بعضنا ..
فإما إمساك بمعروف وإما تسريح بمعروف ..
فهذا الظن الذي ذكرته ليس هو الذي ذكرته أنا ..
وليس هو كذلك محل النزاع ههنا ..
فكيف نقول أن الظن ههنا منسوب إلى الله تعالى .. ؟!
بل لا يمكن ذلك ..
وكذلك إن قلت أن هذا الظن غالب وأمرنا بالعمل به فليس كذلك أيضاً ..
دعنا نفترض وجود زوج طلق زوجته وأراد إرجاعها ..
وهي مثلاً أختك والزوج أخي ..
وحصل الخلاف والتطليق لأجل معصية الزوج وطلبه من الزوجة أن تأتي ما حرم الله تعالى أو كان عاصياً فاسقاً يشرب الخمر ويزني ..
ثم تقدم أخي يريد إرجاع زوجته ..
ألا تقول له وهي أختك ..
هل تبت عن الحرام .. ؟ وهل أتيت لترجعها ولتطلب منها ما حرمه الله تعالى أيضاً .. ؟
هل تركت الباطل الذي كان بسببه التطليق .. ؟!
سيقول لك نعم الحمد لله ..
فظهر لك أن حاله استقام وليس لك البحث عن نيته ..
فلك أن تأذن لأختك بالزواج منه لظهور صلاحه وترك ما أوجب التطليق ..
وإن قال لك لا لم أتب لازلت أتعاطى الخمر وغيرها ..
فهل توافق حينها .. ؟!
فأي حكم ههنا بالظن الراجح الغالب الذي يعمل به أهل الرأي .. ؟!
فهذا ظهور علامات معينة وهي توبته أو رجوعه إلى الحق أو ترك موجبات التطليق فأوجبت أن نوافق أو نرفض الزواج ..
فالظن ههنا ليس كما ذهبت إليه في تفسيرك ..
فهو أمر ظاهر للزوج والزوجة من خلال ما يشاهدان ..
وهما لا يقطعان بأن يقيما حدود الله تلك في كل أحد ..
لأنك لا تستطيع أن تقطع بخلق شخص وأنه سيأتي بالحلال دائماً ..
لكن ظهر من قول الزوج وتوبته وعزمه على ترك ما أوجب التطليق أنه سيقيم حدود الله فيها التي تركها عند التطليق الأول ..
وكذلك الزوجة ولا فرق ..
فلم يكن الحكم بناء على الظن ههنا ..
إنما هي موافقة على الزواج أو عدم الموافقة بظهور ما يدل قطعاً على ترك التعدي على حدود الله ..
لأنك لا تستطيع أن تقول أن المطلقة لأجل ترك إقامة حدود الله وشريعته في الزوجية ترجع للزوج دون أن تتأكد منه أنه لن يعود إلى ذلك ..
وكذلك الزوج بلا فرق ..
فيدخل الظن ههنا في نفسها ونفسه ..
فهل سيطبق شرع الله في هذه الحياة الزوجية بعدما أكد لي قبل عقد الزواج أو لا؟!
فهذه يشك فيها كل أحد لأنها أخلاق وأديان وقلوب يقلبها الله تعالى بين أصبعيه ..
واكتفت الزوجة أو الزوج بما نطق به أحدهما من التوبة والعزم على عدم العود إلى موجبات تلك الفرقة .... ).
فهذا حكم عام يشمل صور لا حصر لها العمل به مقيد بالظن لا بالجزم فالله تعالى لو أراد تقييد هذا الحكم بالجزم لقال فإن علما أو فإن تيقنا و لكن لما عدل عن لفظ اليقين و العلم علم بأن هذا الحكم معلق بالظن لا بالجزم و ليس المراد هنا بالظن الظن المرجح بغير دليل لأن اتباع الظن المرجح بغير دليل حرام بإجماع العقلاء فلم يبق إلا الظن الراجح فهذه الآية دليل من جهة أن الله تعالى علق الرجوع بغلبة الظن و لو كان العمل بالظن الراجح حرام و أنه من جنس اتباع الظن المحرم لما علق الحكم به.
و الحكم المعلق به في هذه الآية عن الحال لا عن المآل فمن ظهر من حاله أنه قد استقام و أراد أن يقيم حدود الله بينه و بين مرتجعته فلا جناح عليهما أن يتراجعا.
فمن جهة التأصيل علق الله تعالى هذا الحكم بالظن فهو حكم عام و لا شك و من جهة التنزيل لا بد من وجود اليقين أو الظن الغالب بأن كلا الزوجين يريدا أن يقيما حدود الله فإن وجد الظن الغالب فلا جانح عليهما أن يتراجعا فلا وجه لقول الأخ الفاضل (استدلالك ههنا لجواز العمل بالظن الراجح أو الغالب لا يصح ..
الظن الذي ذكرته ههنا ليس هو ظن في أحكام الله تعالى وشريعته ..
وإنما هو في علاقة بين طرفين ... ).
¥