تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

طهارتها و إن كان يغلب على ظنه عفتها و طهارتها لتمسكه بما علم منها من خيرا و لكن هذه الحادثة عكرت صفو هذا اليقين ثم أي يقين عن النبي صلى الله عليه و سلم الذي يوجب عليه أن يكلمها بمثل هذا الكلام و يطلب منها إن كانت ألممت بذنب أن تتوب إلى الله و لم لم يقل لها مثل هذا الكلام قبل هذه الحادثة بل النبي صلوات الله عليه كلامه صريح بأنه لا يجزم ببراءتها حين قال (فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ) فهل هذا كلام من يجزم ببراءة عائشه رضي الله عنها و لا نقول أنه كان يشك ببراءتها لأن الله تعالى أمر المؤمنين بحسن الظن بإخوانهم كما في الآية و النبي صلى الله عليه و سلم إمام المتقين فلم يبق إلا أنه كان يحسن الظن بها و لا يجزم ببراءتها و هذا هو عينه الظن الراجح الذي نتكلم عليه فدل على أن معنى الآية المراد به الظن الراجح لا المساوي و لا المتيقن و هذا دليل على الظن يطلق في كتاب الله تعالى بمعنى الرجحان و أما ما يطلق عليه بأنه اليقين أو العلم فهو حقيقة من قبيل المقاربة لا من قبيل المطابقة و يلاحظ هذا من كلام أهل التفسير في معنى الظن إذا أريد به الراجح فغالبا يقولون بأنه العلم أو اليقين و هذا الإطلاق قد يتمسك به من لا يعرف طريقة أهل التفسير فالفرق واضح بين العلم و الظن في كتاب الله تعالى و أزعم بل أجزم أنه ما من ظن أطلق في كتاب الله تعالى إلا و أريد به الراجح سواء كان ظن باطل أو حق فالباطل من جنس الترجيح بغير مرجح و الحق من جنس الترجيح بمرجح معتبر ظاهر و هذا مبحث مهم جدا من تدبر كتاب الله تعالى حل له إشكالات كثيرة في إطلاقات بعض أهل اللغة و الفقهاء.

و انظر قول عائشه رضي الله عنها (فَقُلْتُ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لاَ أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ الْقُرْآنِ إِنِّى وَاللَّهِ لَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ بِهَذَا حَتَّى اسْتَقَرَّ فِى نُفُوسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ فَإِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّى بَرِيئَةٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّى بَرِيئَةٌ لاَ تُصَدِّقُونِى بِذَلِكَ وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّى بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُونَنِى ... )

فهي رضي الله عنها فهمت أنهم قد استقر في نفوسهم أنها وقعت في الفاحشه و العياذ بالله لذا لو قالت بانها بريئة لم يصدقها أحد و لو فهمت منهم أن يجزمون بأنها بريئة لقالت بأنها بريئة و صدقوها و انتهى الموضوع لأنهم عندها جازمون بصدقها فهي فهمت من حالهم على أفضل الأحوال أنهم لا يجزمون بصدقها و إن كانوا لا يتهمونها بالفاحشه.

و انظر لقول أفضل هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم (فَقُلْتُ لأَبِى أَجِبْ عَنِّى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا قَالَ. فَقَالَ وَاللَّهِ مَا أَدْرِى مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم ... ) فهل هذا قول جازم متيقن ببراءة ابنته أم قول من يترجح عنده براءة ابنته و لم يجزم بعد.

و انظر إلى قول النبي صلى الله عليه و سلم (قَالَتْ - فَلَمَّا سُرِّىَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَضْحَكُ فَكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ «أَبْشِرِى يَا عَائِشَةُ أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ بَرَّأَكِ». فضحك النبي صلى الله عليه و سلم مع أنه كان لا يزورها و كان لا يعاملها بلطف و استبشاره ببراءتها كل هذا يدل على أنه لم يكن جازما ببراءتها و إلا لم يحتج إلى كل هذا حتى يستبشر و يبشر.

و انظر إلى ردة فعل عائشة رضي الله عنها عندما بشرها النبي صلى الله عليه و سلم (فَقَالَتْ لِى أُمِّى قُومِى إِلَيْهِ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لاَ أَقُومُ إِلَيْهِ وَلاَ أَحْمَدُ إِلاَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِى أَنْزَلَ بَرَاءَتِى ... ) فهل هذا التعامل من عائشة إلا لما رأت تغير النبي صلى الله عليه و سلم عليها حين سمع بالحادثة و لم يعاملها معاملة الجازم ببراءتها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير